من الصحافة الإيرانية: مشروع الاقتصاد السياسي السعودي في دمشق
جعل الفراغ الذي نشأ نتيجة خروج إيران من اللعبة وانتقال دور الفاعلية إلى تركيا، جعل السعودية تراقب تطورات سوريا من منظور موازنة القوة.
![السعودية وإيران دمشق](/ar/wp-content/uploads/2025/02/154732362904.jpg)
ميدل ايست نيوز: جعل الفراغ الذي نشأ نتيجة خروج إيران من اللعبة وانتقال دور الفاعلية إلى تركيا، جعل السعودية تراقب تطورات سوريا من منظور موازنة القوة، بينما تحاول أيضاً موازنة المصالح في سوريا الجديدة. تقوم خارطة طريق الرياض في هذه الصيغة الجديدة على منطق الاقتصاد السياسي الذي يمكنه إدارة النظام المبني على موازنة القوة، والذي ظل سائداً في الترتيبات السياسية والأمنية في الشرق الأوسط لعقود، نحو معادلة جديدة، وتحويل الاقتصاد إلى مركز للمساومة لتحديد مناطق النفوذ السياسي. وهنا، فأي تحول في زيادة أو تقليص القوة بين اللاعبين المنافسين والأعداء في مجموعة الأمن في غرب آسيا يحمل تغييرات كبيرة في كل من الإدراك والواقع الميداني لبقية اللاعبين.
تعد السعودية والإمارات اللاعبان الرئيسيان في العالم العربي اللذان يحللان التطورات الجديدة في سوريا ولبنان من منظور الفرص الناشئة. وهي ساحة يمكن أن تساهم في إخراج المنافس التقليدي من دائرة الفاعلية النشطة، كما تدير التهديدات الجديدة الناشئة من تغيير تشكيل القوة، وتتجه نحو الفاعلية النشطة في توسيع النموذج المطلوب.
بناءً على هذا، يمكن تفسير دور السعودية والإمارات حول ثلاثة محاور:
المحور الأول: ترسيخ خروج إيران من اللعبة
خلق النفوذ الإقليمي لإيران وحضورها في العواصم العربية من خلال تشكيل خط المقاومة على مدار العقدين الماضيين قيودًا على فاعلية الإمارات والسعودية. كانت محاولة إسقاط بشار الأسد والمشاركة الفاعلة في بداية الأزمة الداخلية في سوريا انعكاسًا لهذه المنافسة لإخراج إيران من اللعبة الكبرى في الشرق الأوسط وقطع صلاتها مع فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين. الفرصة التي نشأت بعد سقوط بشار الأسد يمكن اعتبارها نفس طبق الذهب الذي قدمه سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، لأبوظبي والرياض في الظروف الحالية، وهو ما أدى إلى أن يقع العراق تحت نفوذ إيران بعد احتلال العراق وسقوط صدام. كما أن إدارة التحولات الانتقالية في سوريا في إطار دولي وبمشاركة الولايات المتحدة وفرنسا، وعلى المستوى الإقليمي بالتعاون مع تركيا، هو جزء من هذه العملية المستندة إلى تجارب التطورات خلال العقد الماضي.
المحور الثاني: إدارة التهديدات الناشئة
بالتوازي مع إدارة سلوك سوريا ما بعد الأسد من حيث تحركات إيران وحلفائها داخل سوريا وحولها، يعمل المسؤولون السعوديون على الاستفادة من الفراغ الذي نشأ بسبب خروج إيران من اللعبة، ولكنهم في الوقت ذاته يسعون لإدارة التهديدات الجديدة الناشئة عن وجود الإسلاميين السلفيين والإخوانيين والجماعات الجهادية وداعش والوضع السياسي والاقتصادي الهش في سوريا. هذا الوضع قد يتيح لإيران استعادة نفوذها مجددًا. فحضور الوفود السياسية من دول الخليج في دمشق ولقاؤها مع أحمد الشرع جزء من هذه الخطة.
فيما يتعلق بلبنان، فإن تعيين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء كجزء من تقسيم العمل بين أمريكا والسعودية يهدف إلى تثبيت الاتجاهات القائمة وإدارة التهديدات الناشئة بشكل يوجه العملية السياسية نحو نتيجة مؤكدة وقابلة للحساب.
المحور الثالث: الفاعلية الاقتصادية
المحور الثالث الذي يشكل سلوك الإمارات والسعودية هو منطق الاقتصاد السياسي، الذي أصبح جزءًا من أجندة لاعبي مجلس التعاون الخليجي من خلال رؤى اقتصادية لما بعد النفط مثل رؤية 2030، 2035، و2040. على مدار عدة عقود، كانت الإمارات العربية المتحدة الزعيمة الاقتصادية غير المتنازع عليها في المنطقة وجذبت الاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك، فإن السعودية قد عززت مؤخرًا جهودها لمنافسة دبي وتقديم نفسها كزعيم اقتصادي جديد للمنطقة. يمكن أن تؤدي هذه المنافسة إلى تغيير أولويات هذه القوى للمنطقة، وربط الاتجاهات الناشئة في الشرق الأوسط بالاقتصاد والتجارة، وهي معادلة قد تجعل العلاقات بين السعودية والإمارات عرضة للتنافس بل وحتى التوتر.
تتحمس السعودية لزيادة حصتها في التجارة والاستثمار الإقليمي والدولي، وهي في وضع قوي لجذب المواهب والمقرات الرئيسية للشركات. مؤتمر إعادة إعمار سوريا في باريس الذي عقد يوم الخميس 13 فبراير وُضع فيه تقدير تكاليف إعادة الإعمار بـ400 مليار دولار، وهو المكان الذي يحدد منطق اللعبة الجديدة للسعودية. إذ يمكن أن تكون دمشق جزءًا من هذه الاستثمارات.
تكمن أهمية العامل الاقتصادي بالنسبة للسعودية والإمارات في الميزة النسبية التي يمكن أن يجلبها هذان اللاعبان في مواجهة منافسيهما، مما يزيد من أوراق المساومة الخاصة بهما. كما أن الاقتصاد كأداة ضغط سياسي في ظل الوضع الاقتصادي الهش في دمشق قد يؤدي إلى تحقيق تبعية سياسية لهذين البلدين.
الأستاذ كامران كرمي
باحث في قضايا الخليج