من الصحافة الإيرانية: تفاصيل وثيقة أمريكية دفعت المرشد الأعلى بموقف ضد التفاوض
يرى مراقبون أن ترامب يحاول من خلال سياسة "الضغط الأقصى" على إيران فتح أبواب المفاوضات ودفع الأخيرة لقبول مزايا جديدة في ظل تأثيرات العقوبات.

ميدل ايست نيوز: بعد إعلان الحكومة الإيرانية عن رؤيتها إزاء المفاوضات التي تهدف إلى إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران مقابل معالجة المخاوف الغربية، وخاصة الأمريكية، تمكن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من إقناع المرشد الأعلى الإيراني بأن المفاوضات مع الطرف الأمريكي ستكون مفيدة. لكن شدد على أن تكون المفاوضات هذه المرة “مباشرة”، خلافاً للمفاوضات السابقة خلال فترة رئاسة جو بايدن، مع معالجة القضايا التفصيلية حسب الموضوعات المطروحة.
وأعلن مرشد إيران قبل أسبوعين أنه لا يوجد مشكلة مع استئناف المفاوضات مع الأمريكيين، لكنه أكد على ضرورة ضمان جدية الطرف الآخر وأن المفاوضات يجب أن تتم على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. لكن في 7 فبراير 2025، دعا المرشد الإيراني الجميع إلى عدم التفاوض مع الولايات المتحدة وقال إن مثل هذه المفاوضات “غير حكيمة وغير جادة ومشينة”؛ لتأتي الحكومة الإيرانية أيضا وتؤكد موقفها عقب توقيع ترامب على تنفيذ سياسة “الضغط الأقصى” ضد الاقتصاد الإيراني، وكذلك فرض عقوبات جديدة على شركة أجنبية مسؤولة عن نقل النفط الإيراني إلى الصين.
وكان ترامب قد أعلن عن رغبته في لقاء الرئيس بزشكيان والاحتفال بنهاية العقوبات في الشرق الأوسط، ولكنه سرعان ما وقع على “سياسة الضغط الأقصى”. ووفقاً للمعلومات غير الرسمية، تلقت طهران وثيقة أمريكية غير رسمية تطلب من إيران أن تتصرف “طواعية” لحل برنامجها النووي ومنظومتها الصاروخية والسماح للفرق الأمريكية بمراقبة المراكز الفضائية والنووية الإيرانية قبل أن يجلس الطرفان مرة أخرى على طاولة المفاوضات. تشير هذه المعلومات إلى أن هذه الوثيقة وصلت إلى طهران بين 28 يناير و7 فبراير 2025، مما دفع مرشد إيران إلى الإيعاز بوقف محاولات التفاوض مع واشنطن.
في الواقع، قدم مرشد إيران سلوكاً استثنائياً على المستوى الإقليمي كان رد فعل جاداً على المواقف الاستفزازية لترامب بعد دخوله إلى البيت الأبيض وتصعيد التهديدات الأمريكية.
وأدت هذه التطورات إلى توقف الحكومة الإيرانية عن جهودها لاستمرار المفاوضات، واتهمت ترامب باعتباره المسؤول الرئيسي عن ابتعاد طهران عن التفاوض مع واشنطن. لكن بدلاً من ذلك، أبقت إيران أبواب الحوار مفتوحة مع أوروبا، حيث تم إجراء جولتين من المفاوضات البناءة بين إيران وأوروبا.
ويرى مراقبون أن ترامب يحاول من خلال “الضغط الأقصى” على إيران فتح أبواب المفاوضات ودفع إيران لقبول مزايا جديدة في ظل تأثيرات العقوبات؛ لكن طهران تعتقد أنها قادرة على تحمل هذه العقوبات من خلال التوجه إلى روسيا والصين والدول الآسيوية الأخرى، بما في ذلك دول “بريكس” و”شنغهاي” وغيرها من المنظمات الآسيوية.
كما تعتقد بعض الأوساط الإيرانية أن مثل هذه الأوضاع قد تدفع ترامب إلى إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، لكن التجارب والحقائق الماضية تشير إلى أن مثل هذا السيناريو بعيد المنال لأسباب عدة: أولاً، أن الكيان الإسرائيلي بعد نهاية الهدنة في غزة لم يعد كما كان قبل 7 أكتوبر 2023؛ وثانياً، أن ترامب، رئيس الولايات المتحدة، أعلن أنه يريد إنهاء الحروب، وأنه غير مستعد لخوض حرب جديدة لإرضاء بنيامين نتنياهو أو المتطرفين الآخرين في الحكومة الإسرائيلية أو خارجها.
تجدر الإشارة إلى أن تسليم القنابل والأسلحة الأمريكية الجديدة إلى إسرائيل ليس بالضرورة يعني السماح باستخدامها ضد إيران. والسبب الآخر هو أن الولايات المتحدة تعلم أن إيران ليست ضعيفة لدرجة أنها ستبقى ساكنة أمام أي هجوم إسرائيلي، خاصة وأن إيران قد أعلنت أنها تمتلك صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت بمدى يصل إلى حوالي ألفي كيلومتر.
في النهاية، ستطلب الولايات المتحدة من “الترويكا” الأوروبية الضغط لاستخدام آلية الزناد أو “السناب باك” لاستعادة ستة قرارات دولية ضد إيران في مجلس الأمن، والعودة إلى الفصل السابع من ميثاق 2231 في مجلس الأمن الدولي. إيران بدورها أعلنت أنها سترد على هذا الإجراء إذا تم تنفيذه. بالتالي، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل على دراية بخطر مثل هذا الإجراء، خاصة بعد توقيع الاتفاقية الجديدة بين إيران وروسيا التي تشمل التعاون في مجالات متعددة.
ستحاول بعض الأوساط رسم صورة غير واقعية عن ضعف إيران بعد التطورات في سوريا ولبنان، لكن الحقيقة هي أن قدرات إيران ليست فقط غير قليلة، بل إن طهران لم تعتد على رفع الراية البيضاء أبداً.
محمد صالح صدقيان
رئيس مركز الدراسات العربية في إيران و خبير بارز في شؤون الشرق الأوسط والعالم العربي