أزمة الرواتب بكردستان العراق.. احتجاجات وإضرابات وحلول قانونية معلّقة
في ظل غياب الحلول الواضحة، يضطر الموظفون والمعلمون إلى البحث عن أعمال إضافية لضمان استمرار حياتهم وسط هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.

ميدل ايست نيوز: لم يكن المعلم، آزاد أحمد، يتوقع أن تتحول رسالته التربوية إلى عبء ثقيل يضطره للبحث عن مصدر دخل إضافي بعد انتهاء يومه الدراسي، فمع استمرار تأخر تسلُّم الرواتب من الحكومة العراقية، اضطر للعمل في متجر بمسقط رأسه مدينة السليمانية، لتأمين احتياجات أسرته الأساسية.
ويقول آزاد (54 عامًا)، لموقع الحرة، “لا يمكننا الاعتماد على الرواتب التي ترسلها الحكومة العراقية، فهي لا تأتي في مواعيد ثابتة، وأحيانًا تتأخر لأكثر من سبعين يوما. كيف يمكننا العيش دون ضمان مالي؟”.
وأضاف: “هذا ما دفعني للعمل بعد الدوام الرسمي رغم الإرهاق والتعب”.
ورغم التظاهرات والاحتجاجات المتكررة التي نظمها المعلمون والموظفون، فإن الأزمة لم تجد طريقها الى الحل بشكل جذري من قبل الجهات المعنية.
ويقول آزاد بنبرة من الاستياء: “نشعر وكأننا مواطنون من الدرجة الثانية. بغداد لا تعاملنا بالمساواة مع موظفي وسط وجنوب العراق. نحن نطالب بحقوقنا فقط، نريد أن نحصل على رواتبنا كما يحصل عليها غيرنا”.
وتتفاقم هذه الأزمة لتكون واحدة من أكبر التحديات التي تواجه آلاف العائلات في إقليم كردستان.
وفي ظل غياب الحلول الواضحة، يضطر الموظفون والمعلمون إلى البحث عن أعمال إضافية لضمان استمرار حياتهم وسط هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
استمرار الأزمة رغم الاتفاقات الجديدة
وتعود جذور أزمة الرواتب في إقليم كردستان إلى عام 2014، حين تفاقمت الخلافات بين بغداد وأربيل بشأن إدارة النفط والموازنة، وازدادت تعقيدًا مع تداعيات الحرب ضد داعش، وانخفاض أسعار النفط، ما أدى إلى توقف تحويل المخصصات المالية من الحكومة الاتحادية إلى الإقليم.
وبعد سلسلة من المباحثات بين وفود الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، أعلن وزير المالية في حكومة إقليم كردستان آوات شيخ جناب في 3 فبراير 2025، عن التوصل مع الحكومة الاتحادية الى حل لمشكلة رواتب موظفي الإقليم للعام الحالي 2025.
ويتخوف الموظفون من أن يكون هذا الاتفاق كغيره من الاتفاقات المبرمة بين الجانبين التي لم تسفر عن حلول نهائية تضمن صرف الرواتب بانتظام، إذ يستمر تبادل الاتهامات بين الجانبين حول مسؤولية عدم تنفيذها، وآخرها الاتفاق الذي أعلنه رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، في أبريل الماضي بشأن رواتب الموظفين.
وجدد المحتجون في السليمانية مطالبتهم بتطبيق قرار المحكمة الاتحادية الصادر في فبراير من العام الماضي المتعلق بتوطين رواتبهم، مؤكدين أن تمسكهم التام بقرار مقاطعة الدوام في المدارس والدوائر الحكومية، وتنظيم فعاليات احتجاجية أوسع يوم الأحد المقبل في مختلف المدن والمناطق حتى تحقيق مطالبهم.
وأشار المتحدث باسم المحتجين، هاوري أحمد، في مؤتمر صحفي الخميس 20 فبراير 2025، إلى أن قرار المحكمة الاتحادية العليا بخصوص تحويل رواتب الموظفين إلى نظام الدفع المباشر لم يُنفذ حتى الآن بسبب الفساد وعدم الشفافية في الإدارة، ما أدى إلى احتجاز رواتب شهر ديسمبر/كانون الأول في المصارف العراقية.
المحتجون طالبوا بتنفيذ قرار توطين الرواتب في المصارف الحكومية العراقية ومعاملتهم بنفس الطريقة التي يتعامل بها موظفو العراق من حيث تحويل الرواتب مباشرة من وزارة المالية وإيداعها مباشرة في حساباتهم من قبل بغداد.
قرار جديد وجهود مستمرة لحل الأزمة
وكان القضاء العراقي، أصدر يوم 18 فبراير 2025 قرارًا مهمًا في قضية الرواتب الخاصة بموظفي إقليم كردستان، إذ ردت المحكمة الاتحادية العليا على الدعوى التي رفعها رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وقضت المحكمة بتوطين رواتب موظفي إقليم كردستان عبر المصارف المعتمدة من قبل البنك المركزي العراقي، وهو القرار الذي يهدف إلى ضمان انتظام صرف الرواتب في الإقليم.
ويتيح القرار للموظفين حرية اختيار المصرف الذي يرغبون في استلام رواتبهم من خلاله، مما يسهم في تحسين الوضع المالي للموظفين ويعزز الاستقرار المالي.
هذا القرار جاء بعد مطالبات من رئاسة الجمهورية التي تضمنت إلحاحًا على ضرورة صرف الرواتب بشكل منتظم، بالإضافة إلى توطين الرواتب عبر المصارف الحكومية والأهلية وفقًا لتعليمات البنك المركزي العراقي.
وأكد المدير العام في رئاسة الجمهورية، هاوري توفيق، لموقع “الحرة”، أن هذه الدعوى جاءت في إطار دعم الحكومة الاتحادية لحل أزمة الرواتب.
وأشار إلى أن الرئيس العراقي يظل حاميًا للدستور وأبًا لجميع العراقيين، ويقف على مسافة واحدة من جميع السلطات في البلاد.
ولفت إلى أن أزمة الرواتب ليست قضية مقتصرة على إقليم كردستان فقط، بل هي قضية تمس جميع الموظفين العراقيين.
وأضاف توفيق أن رئاسة الجمهورية تدخلت بشكل قانوني لمعالجة أزمة الرواتب، من منطلق المصلحة العامة.
وأكد على ضرورة التزام حكومة إقليم كردستان بواجباتها، بما في ذلك تسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية وفقًا للاتفاقات الدستورية.
وكشف المدير العام في رئاسة الجمهورية أن موقف الرئاسة متوازن، حيث تدعم كلًا من الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، موجهًا الدعوة إلى حل الأزمة في إطار الدستور والقوانين النافذة، بما يضمن حقوق جميع المواطنين العراقيين.
الاحتجاجات تحقق مكاسب ملموسة
على الرغم من قرار استئناف الدراسة في السليمانية، لا تزال غالبية المؤسسات التعليمية في المحافظة ملتزمة بالإضراب.
وكان قد تقرر في 11 فبراير 2025، تعليق الإضراب عن الطعام من قبل المعلمين والموظفين المعتصمين في السليمانية، بعد 15 يومًا من الاحتجاجات داخل خيمة الاعتصام أمام مقر الأمم المتحدة في المدينة، استجابة لدعوات من رجال دين ومن شخصيات سياسية واجتماعية في الإقليم.
وأكد عادل حسن حمه رشيد، عضو مجلس المعلمين المحتجين، في تصريح لموقع “الحرة”، أن الاحتجاجات في السليمانية نجحت في تحريك الرأي العام العراقي، وجذب انتباه مجلس النواب، ما دفع عددًا من النواب لزيارة خيمة الاعتصام تضامنًا مع المحتجين.
وفي خطوة تصعيدية، أرسل المحتجون وفدًا رسميًا إلى بغداد حيث قدموا مذكرات احتجاج إلى الجهات المعنية، مما أدى إلى لقاء مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، الذي استمع إلى مطالبهم وناقشها معهم.
وتابع حمه رشيد أنه رغم هذه التحركات، لا يزال الإضراب مستمرًا في غالبية مدارس السليمانية، حيث يصر المحتجون على عدم العودة إلى العمل قبل صرف رواتب شهر ديسمبر 2024.
كما يطالبون بتوطين الرواتب عبر المصارف الحكومية الاتحادية، واستئناف الترقيات الوظيفية المتوقفة منذ أكثر من عشر سنوات.