من الرياض إلى بروكسل: هل يشهد الملف الإيراني تحولات دبلوماسية جديدة؟
حتى في حال حل الصراع الأوكراني، فإن تأثيره على العلاقات الإيرانية-الأوروبية قد يستغرق وقتًا طويلًا قبل أن تظهر نتائجه الفعلية.

ميدل ايست نيوز: يوم الثلاثاء 18 فبراير الجاري أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عن مشاورات لعقد الجولة الثالثة من المحادثات بين إيران وأوروبا، حيث يلعب العامل الأوكراني دورًا مهمًا فيها. إذ من المحتمل أن يساهم تحقيق السلام بين روسيا وأمريكا في تخفيف التحديات بين طهران والعواصم الأوروبية.
صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية باستمرار المشاورات بين الجانبين الإيراني والأوروبي لعقد جولة جديدة من المفاوضات، بالتزامن مع انعقاد محادثات السلام بين روسيا وأمريكا في الرياض. وبما أن الحرب في أوكرانيا وادعاءات التعاون العسكري بين إيران وروسيا تعد من العقبات الرئيسية أمام تقدم المحادثات بين طهران والترويكا الأوروبية، يثار تساؤل حول ما إذا كان نجاح محادثات السلام الأوكرانية سيسرع الحوار بين إيران وكل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا؟
عُقدت الجولة الأولى من المحادثات بين إيران والدول الأوروبية الثلاث في 29 نوفمبر من العام الماضي 2024 في جنيف، حيث كانت العديد من الملفات الخلافية مطروحة، بدءًا من القضايا الثنائية والملف النووي والعقوبات، وصولًا إلى حربَي غزة وأوكرانيا. أعلن كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الدولية، عقب انتهاء المحادثات، أنه تم الاتفاق على مواصلة الحوار في المستقبل القريب.
عاود الطرفان الطرفان الإيراني والأوروبي الاجتماع مجددا في 13 يناير الماضي في جنيف، حيث وصف غريب آبادي المحادثات بأنها “جدية وصريحة وبنّاءة”، وتم الاتفاق على استمرارها. وفي هذا السياق، صرّح إسماعيل بقائي خلال مؤتمره الأسبوعي يوم أمس، بأن المسؤولين السياسيين في وزارات الخارجية الأوروبية ومسؤولي الاتحاد الأوروبي على تواصل مع نظرائهم الإيرانيين، وأنه يتم التشاور حول توقيت ومكان الجولة المقبلة من المحادثات، على أن يتم الإعلان عنه فور تحديده.
اجتماع مهم في الرياض
استضافت الرياض يوم الثلاثاء اجتماعًا بارزًا بين وفدين أمريكي وروسي بشأن الأزمة الأوكرانية. وفقًا لصحيفة “كوميرسانت”، شارك في المفاوضات ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، إلى جانب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايك والتز، والمبعوث الخاص للرئيس السابق ترامب لشؤون الشرق الأوسط، ستيفن ويتكاف. كما وصل روبيو إلى السعودية يوم الاثنين في إطار جولة إقليمية بغرب آسيا. من جانبه، أعلن المتحدث باسم الكرملين أن وزير الخارجية الروسي وكبار مساعدي الرئيس الروسي توجهوا إلى الرياض للتحضير للقاء بين رئيسي روسيا وأمريكا وإعادة العلاقات بين واشنطن وموسكو إلى مسارها السابق.
وعلّق المتحدث باسم الخارجية الإيرانية على المبادرات المطروحة لحل الأزمة الأوكرانية والخلافات بين أمريكا وأوروبا بشأنها، قائلًا: “نحن ندعم أي تطور إيجابي أو مبادرة تُسهم في إنهاء النزاع ووقف الحرب، ونأمل أن ينتهي الصراع في أوكرانيا بأسرع وقت ممكن.” وأضاف: “هناك خلافات بين الطرفين على جانبي الأطلسي، وهذا شأن يخصهم.”
ظل واشنطن على العلاقات بين طهران وبروكسل
في ظل التوقعات بإحراز تقدم في حل الأزمة الأوكرانية، هناك آمال بأن تشهد العلاقات بين طهران وبروكسل تطورات إيجابية. ومع ذلك، يرى العديد من المحللين أن استمرار الخلافات بين طهران وواشنطن وغياب أي مفاوضات بينهما يجعل تأثير الحوار الإيراني-الأوروبي محدودًا.
ووقّع الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، بعد نحو شهر من توليه منصبه، مذكرة تعيد فرض سياسة “الضغط الأقصى” على إيران. وتقوم الآن الأجهزة التنفيذية الأمريكية بإعداد الترتيبات اللازمة لتنفيذ هذه السياسة بشكل فعلي.
وفي إيران، لا توجد أي نظرة إيجابية تجاه التفاوض مع أمريكا، خاصة في ظل موقف إدارة ترامب. أكد إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ردًا على تصريحات لمسؤول أمريكي حول التفاوض مع إيران، أن هذه التصريحات “لا يمكن أخذها على محمل الجد، إذ لا يمكن التهديد والتفاوض في آنٍ واحد، وهذا يظهر التناقض والنفاق في الموقف الأمريكي.” كما رفض التعليق على تقارير إعلامية تتحدث عن سعي ترامب لإجراء محادثات سرية مع طهران، مطالبًا الصحفيين بتوجيه أسئلتهم إلى المصادر التي نشرت هذه الادعاءات.
وفيما يتعلق بالمشاورات بين موسكو وواشنطن بشأن البرنامج النووي الإيراني، أشار بقائي إلى أن “إيران وروسيا تجريان مشاورات مستمرة حول قضايا مختلفة، والملف النووي من بينها، نظرًا لأن روسيا كانت جزءًا من مفاوضات الاتفاق النووي وتعد عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي.” وأضاف أن إيران ستواصل متابعة هذه المباحثات مع الجانب الروسي.
القضية الرئيسية: الولايات المتحدة
مع استمرار المشاورات لتحديد موعد ومكان الجولة المقبلة من المحادثات بين إيران والترويكا الأوروبية، وتسارع المباحثات بين روسيا وأمريكا في الرياض، يُطرح السؤال حول مدى إمكانية تحقيق تقدم في علاقات طهران مع بروكسل وواشنطن.
وللإجابة على هذا السؤال، لابد من تسليط الضوء على ما قاله كوروش أحمدي، الدبلوماسي الإيراني السابق، خلال لقاء صحفي إن “التفاوض مع أوروبا جيد، لكنه ليس العامل الحاسم، فهو استشاري أكثر من كونه حاسمًا.” مضيفا أن “القضية الرئيسية هي الولايات المتحدة، لأنها الجهة التي فرضت العقوبات على إيران، ناهيك عن أن العلاقات بين طهران وواشنطن تعاني من مشكلات كبيرة، وبالتالي فإن الاتفاق بين إيران وأوروبا لن يكون له تأثير كبير على هذا الملف.”
وفيما يتعلق بإمكانية تأثير المفاوضات بين إيران والترويكا الأوروبية على تفعيل “آلية الزناد” في العام المقبل، أوضح أحمدي أن الأوروبيين “على الأرجح سيفعّلون هذه الآلية، وسيتوصلون إلى توافق مع واشنطن حولها.”
أما بشأن تأثير محادثات السلام الأوكرانية على العلاقات بين إيران وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، فقال أحمدي إن حل الأزمة الأوكرانية “لن يحدث بين عشية وضحاها، وقد يستغرق الأمر شهورًا.” كما أشار إلى أن تطورات العلاقات بين أوروبا وأمريكا، إضافة إلى الموقف الروسي والصيني، ستلعب دورًا حاسمًا في مسار الأحداث المستقبلية.
ويرى أحمدي أنه حتى في حال حل الصراع الأوكراني، فإن تأثيره على العلاقات الإيرانية-الأوروبية سيستغرق وقتًا طويلًا قبل أن تظهر نتائجه الفعلية.