أيال زامير.. رئيس أركان جيش الاحتلال “الهجومي” الطامح للحسم ضد إيران

انشغل إيال زامير في قيادة مسارات بناء القوة ضمن خطة "تنوفا"؛ حيث قاد وصاغ مفهوم العمليات ضد إيران، قبل أن تنتهي ولايته عقب عملية "حارس الأسوار"/ "سيف القدس".

ميدل ايست نيوز: بتعيينه القائد الـ24 لهيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، يتسّلم أيال زامير الموصوف بأنه “خبير وأخلاقي”، جيشاً في “أزمة عميقة”، فصحيح أن جيشه “حصد إنجازات عملياتية غير قليلة” خلال السنة والنصف سنة الأخيرة، غير أن استمرار الحرب “من دون هدف واضح، وفي ظل غياب خطة سياسية تمنح الفعل العسكري نتيجة، ثم فشل القيادة العسكرية التي تأخرت بالتحقيقات واستخلاص العبر.. أدى كله إلى تآكل جسدي وأخلاقي وعقلاني غير مسبوق في الجيش”.

هذه العبارات لرئيس برنامج سياسة الأمن القومي، في معهد أبحاث الأمن القومي، عوفر شيلح، وهو يصف في مقالة منشورة الشهر الماضي على موقع “القناة 12″ أي جيش سيقود أيال زامير. الأخير الآتي من وحدة المدرعات، خلافاً لأقرانه في العقدين الماضيين الذين تميّزوا بـ”البيريات الحمراء” كونهم ينحدرون من وحدة المظليين، سيواجه الأزمة تحديداً في “عقر داره”؛ فكما يبرز شيلح، تكمن المشكلة عملياً “في القوات البرية النظامية، وقوات الاحتياط”، وفي أنّ الجيش يواجه ظواهر “مغادرة ضباط واعدين لصفوفه”.

هذه الأزمة كما عزاها الباحث تعود بشكل رئيس إلى الطريقة الفاشلة التي عالج فيها الجيش الأزمة في ظل فقدان القيادة العسكرية لصلاحياتها إثر بقاء المسؤولين عن إخفاقات الحرب في مناصبهم. فالجيش الذي ينتظر زامير وفقاً لما يخلص إليه شيلح “يعاني مزيجاً قاتلاً من التعب العميق، وأطراً جوفاء عديدها وكفاءتها بعيدين عن تلبية المتطلبات، والأهم من ذلك تراجع الطاعة والقيم التي تستحيل تغطيتها”.

في ولاية سلفه هرتسي هليفي، واجه الأخير “حرباً” من المستوى السياسي الذي صب جهده على تحميل المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية الإخفاق، وعلى هذه الخلفية “على زامير الاستعداد لمواجهة المؤسستين السياسية والإعلامية المجندتين لتقويض قيادة الجيش وإدخال قيم العصابة”.

لكن ما سبق ليس إلا عيّنة مجهرية من الأزمات الكثيرة التي على “الرجل المُناسب” أيال زامير حلّها، في مقدمتها بناء القوة العسكرية الملائمة لجيش عليه إبداء جهوزية دائمة “لمواجهة أي اشتعال متجدد”، خصوصاً وأن الاحتلال لم يترك “جارا” يعتب عليه إلا وقضم أرضه، فيما انتهت المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حركة حماس، ولم تبدأ بعد مفاوضات المرحلة الثانية التي تعتريها ضبابية في ظل أداء قيادة إسرائيلية فاقدة للرسن تُهدد باستئناف الحرب في أيّة لحظة، مدعومة من دون تحفظ من إدارة البيت الأبيض الجديدة.

ووسط كل ذلك، يجد زامير مجتمعاً كاملاً يطالب بتوزيع الأعباء العسكرية وتحميل الحريديم طرفاً من “النقالة”، في وقتٍ تقر فيه الحكومة تجديد سريان الأمر 8 واستدعاء 400 ألف جندي وضابط احتياط بصفة العام الحالي على غرار سابقه “عام حرب”، فيما تواصل في الوقت ذاته استرضاء الحريديم وأحزابهم خوفاً مما قد يقوّض استقرارها الائتلافي.

متحرر من فشل 7 أكتوبر

ولئن كانت الأحمال ثقيلة على رئيس الأركان الجديد يتوقع من “صاحب الأقدمية الأكبر، والأكثر خبرة وملاءمة للمنصب”، أن يصمد في مهمته، فزامير كما يشير محلل الشؤون العسكرية، عاموس هرئيل، في مقالة سابقة له “خلافاً لمنافسيه، لم يكن جزءاً من الهرمية القيادية العسكرية في 7 أكتوبر”. وبالرغم من أنه ليس جزءاً من “بلاط رئيس الحكومة”، شارك خلال قيادته المنطقة الجنوبية حتى العام 2018، “بقدر كبير في جزء من المفاهيم والتصورات الاستراتيجية التي أملاها (رئيس الحكومة بنيامين) نتنياهو وقيادة الجيش، والتي تحطمت بعد خمس سنوات” في “طوفان الأقصى”.

أيال زامير الذي أتم هذا العام الـ59 يُعد أكبر رئيس أركان في المنصب، فحتّى نظيراه السابقان، غادي آيزنكوت، ودان حالوتس، غادرا منصبيهما بينما كانا في الـ58. هو الابن البكر بين أولاد يافة وشلومو، ومولود في إيلات، لأجداد من أصول عربية. فجدّه المُهاجر في عشرينيات القرن الماضي إلى فلسطين المحتلة، وصل من اليمن، وانضم إلى “الإتسل” (المنظمة العسكرية القومية)، أمّا جدته من جهة الأم فهي ابنة عائلة يهودية هاجرت من مدينة حلب السورية.

أمّا بالنسبة لسيرة أيال زامير العسكرية، فقد بدأت من الكلية العسكرية للقيادة في تل أبيب؛ حيث تجنّد لسلاح المدرعات عام 1984، ثم أنهى بعد عام من ذلك دورة ضباط الدبابات بدرجة امتياز. في العام 1986 أنهى دورة الضباط “باهاد 1″، ورقي إلى رتبة ضابط مدرعات، وكان قائد قسم، وقائد سرية في اللواءين 500 و460. كما قاد عمليات ضد المقاومة اللبنانية في المنطقة الأمنية. ومنذ العام 1992 وصولاً للعام 1996 شغل منصب قائد الكتيبة 75 في اللواء السابع برتبة مقدم، وتولى قيادة موقع الدبشة، وقلعة الشقيف، كما قاد عمليات مختلفة في الضفة الغربية المحتلة. وفي العام 1996 كان قائد كورس قادة الدبابات في مدرسة المدرعات، وبقي في منصبه هذا حتى العام 1997 عندما خرج لمدة سنة للدراسة في كلية دراسات الحرب في فرنسا. وفي السنوات 1998-2000 كان ضابطاً في الفرقة 162.

وفي سنوات 2000-2002 ترأس قسم عقيدة سلاح المدرعات في مقر ضباط المدرعات الرئيسي، وفي الوقت ذاته، كان قائداً للواء 656، وهو لواء احتياط في القيادة الوسطى شارك خلال عدوان “السور الواقي” تحت قيادته في احتلال مدينة جنين ومحاربة المقاومين والقضاء على البنية التحتية للمقاومة في المخيم. وفي سنتي 2002 و2003 تولى قيادة المركز للتدريبات التكتيكية، في المركز الوطني للتدريبات البرية، وفي المقابل ظل يقود اللواء الاحتياطي.

بعد ذلك، وتحديداً في السنوات 2003-2005 تولى قيادة اللواء السابع وفي إطار ذلك أشرف على قيادة القطاع الأوسط في قطاع غزة وقاد سلسلة عمليات هجومية ضد المقاومة وخصوصاً في مدينة خانيونس ومخيمات الوسط. وفي العام 2005، تولى اللواء تحت قيادته تنفيذ خطة فك الارتباط عن غزة.

صحيح أن نتنياهو يصف زامير بـ”الهجومي”، غير أن الأخير كتب في العام 2007 مقالاً مثيراً في مجلة “معرخوت” والذي ناقش مسألة أخلاقيّة تتعلق بقصف مبنى فيه “إرهابي”، على حد زعمه، وإلى جانبه أبرياء، وبحسب ما خلصت إليه نقاشاته، رأى زامير أنه من الأفضل اعتقال الناشط “الإرهابي” بدلاً من قتله بالقصف. وفي المقال ذاته، اعتبر زامير أنه من الأفضل لدى تحديد إن كان شخص ما “إرهابياً” الاستناد إلى دلائل واضحة وصريحة. وفي الوقت ذاته رأى أن مكافحة “الإرهاب” في بيئة مدنية ينبغي أن تجري وفق مبدأ التسبب بالضرر الأقل للسكان، واستنتج أن “تجويع البيئة المدنية للعدو، وقطع مصادر المياه ومنع العلاجات هي إجراءات غير أخلاقية”.

في أعوام 2007-2009 خدم أيال زامير كقائد للفرقة 143 بدرجة عقيد، وبالتوازي قاد كورس ضباط السرايا والكتائب. تولى في 2009 قيادة الفرقة 36 وفي عهدته أكملت الأخيرة التحوّل إلى نظام الجيش البري الرقمي، قبل أن يُعيّن في وقتٍ لاحقٍ من العام ذاته رئيساً لأركان ذراع البر.

ماذا يقول إيال زامير عن إيران؟

حظي زامير بإعجاب نتنياهو مُذ عيّنه الأخير سكرتيراً عسكرياً له، وهو ما دفعه بعد ذلك لترشيحه غير مرّة لمنصب رئيس الأركان، وخصوصاً أنه كان نائب لأفيف كوخافي، رئيس الأركان الأسبق الموصوف بـ”الفيلسوف”. إلى أن “حانت لحظة زامير” كما قال رئيس الحكومة اليوم في الخطاب الذي ألقاه بمراسم التعيين.

تحت إمرة كوخافي، انشغل زامير في قيادة مسارات بناء القوة ضمن خطة “تنوفا”؛ حيث قاد وصاغ مفهوم العمليات ضد إيران، قبل أن تنتهي ولايته عقب عملية “حارس الأسوار”/ “سيف القدس” (2021)، والتي دفعته إلى التيقن من أن “إسرائيل قد تواجه حرباً ثقيلة، طويلة، ومتعددة الجبهات، مقرونة بتحديات داخلية على مستوى الجبهة الداخلية والعمق”، بحسب ما قال زامير نفسه في خطاب نهاية منصبه. ولذلك رأى أن “ثمة حاجة إلى الحسم، وتعزيز الاحتياط والقدرات التكنولوجية الفائقة والقوى البشرية”.

بصفته زميلا باحثا في معهد واشنطن، أشار في مايو/أيار 2022، ضمن ورقة بحثية نشرها إلى سبعة مبادئ ضرورية لتحقيق النصر على إيران في الحرب الإقليمية. وفي مقالته، شدد زامير على “ضرورة الاعتراف بأن هذه الحرب مستمرة ومتعددة الجبهات والقطاعات”، مؤكداً “أهمية العمل المتعدد الأبعاد لإضعاف قدراتها وإلحاق الضرر بوكلائها من خلال ممارسة الضغط المباشر وغير المباشر عليها”.

الرجل الذي شغل في عهد وزير الأمن المقال، يوآف غالانت، مدير عام الوزارة وطلب لدى تولي يسرائيل كاتس الوزارة إنهاء مهامه مديرا، طالما دعا إلى ضرورة ارتكاز إسرائيل على بناء القوة بمساعدة الصناعات العسكرية والأمنية المحلية وتقليص الاعتماد على الولايات المتحدة، كان ذلك قبل أن يعود عرّاب تهجير غزة، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، ويُعيد فتح صنابير السلاح التي تجمّدت متأثرة بعلاقات سلفه جو بايدن ونتنياهو. ربما يُغيّر من حانت لحظته رأيه؛ إذ سيحتاج هذا السلاح لحسم المواجهة مع إيران كما طمح.

 

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 − ستة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى