تركيا وPKK.. هل يغادران العراق بعد مبادرة السلام؟
بعد دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) عبد الله أوجلان لإلقاء السلاح، والانخراط في العمل السياسي، وإعلان الامتثال من قبل أنصاره، ازدادت التساؤلات عن مصير القوات التركية في العراق، وسط دعوات لإخراج عناصر الحزب المعارض لأنقرة، من شمالي البلاد.

ميدل ايست نيوز: بعد دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) عبد الله أوجلان لإلقاء السلاح، والانخراط في العمل السياسي، وإعلان الامتثال من قبل أنصاره، ازدادت التساؤلات عن مصير القوات التركية في العراق، وسط دعوات لإخراج عناصر الحزب المعارض لأنقرة، من شمالي البلاد، وهو أمر استبعده سياسيون ومراقبون بسبب انعدام الحلول السياسية والأمنية.
ويقول القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السورجي، إن “حزب العمال الكردستاني قرر إثر رسالة زعيمه عبد الله أوجلان من السجن، إيقاف القتال ضد تركيا، وشدد على إلقائه السلاح والانخراط في العملية السياسية والديمقراطية في تركيا وفق شروطه، فإذا ما تمت الهدنة وجرى التفاوض بين الجانبين لم يبق مبرر لتركيا للبقاء في الأراضي العراقية”.
ويرجح السورجي، أن “الطرفين (تركيا وحزب العمال PKK) سيصلون لحلول سلمية وإنهاء العمليات الحربية التي بدأت منذ الثمانينات وراح ضحيتها عشرات الآلاف من الطرفين إضافة إلى الخسائر المالية، فالطرفان اقتنعا بالحلول السلمية”.
وعن إمكانية إخراج عناصر حزب العمال من الأراضي العراقية، يؤكد القيادي الكردي، أن “بغداد وأربيل لن تستطيعا إخراج حزب العمال، لأن الأخير لا يمتلك مساحة جغرافية محددة، فهو عبارة عن مفارز تمارس أسلوب حرب العصابات متواجدة في المناطق الوعرة والنائية في كردستان العراق وكردستان سوريا وداخل تركيا”.
ويشير إلى أن “عناصر الحزب لا يتمركزون في منطقة واحدة يمكن تطهيرها عسكريا، فلا موقع ثابت ولا خطة واضحة، وعلى الرغم من وجودهم بعض العناصر في جبل قنديل فالأخير يشكل إحدى أكثر المناطق وعورة والتي أجزم بأن القوات العراقية لم تدخلها منذ تأسيسها في العشرينات”.
وبشأن مصير القوات العسكرية التركية في العراق إذا ما انتهت العمليات ضد عناصر PKK، يعتقد السورجي، أن “حزب العمال إذا ما شارك في العمل السياسي وألقى سلاحه، لن ينتهي الوجود العسكري التركي، لأن هذا الوجود لا يتعلق بالحرب ضد حزب العمال فقط، إنما هناك أطماع أخرى، وسوف يظهر ذلك قريبا مع إلقاء حزب العمال سلاحه”.
وكان أوجلان البالغ من العمر 75 سنة والذي يلقب بعدو أنقرة الأول، دعا في 27 شباط فبراير الماضي، حزبه إلى حل جناحه العسكري والانخراط في المسار السياسي السلمي، عبر إعلان تلاه وفد من نواب “حزب الشعوب للعدالة والديمقراطية” (ديم) المؤيد للأكراد الذي زاره في سجنه، كما شدد على ضرورة أن تلقي جميع الجماعات المسلحة أسلحتها، في خطوة سيكون لها تأثير كبير على تركيا بعد صراع استمر أربعة عقود، وتسبب في أضرار اقتصادية جسيمة وأجج التوتر الاجتماعي.
وبعد يومين من الدعوة، أعلن حزب العمال الكردستاني في بيان، أنه سيمتثل لدعوة أوجلان، وسينفذ نداءه إلى تحقيق السلام ووقف إطلاق النار مع السلطات التركية، وبدورها أعلنت قيادة العمال الكردستاني في جبل قنديل شمال العراق وقفا فوريا للنار.
من جهته، يفترض الباحث في السياسات الاستراتيجية كاظم ياور، أن “هناك مسارين لإخراج حزب العمال الكردستاني من الأراضي العراقية، المسار السياسي والمسار الأمني، وفي ما يتعلق بالأول فإن الحكومة العراقية وحكومة الإقليم أغلقتا الباب سياسيا أمام حزب العمال حيث يصنفه العراق حزبا محظورا وهو وصف يقترب من الإرهاب”.
وأصدر مجلس الأمن القومي العراقي، العام الماضي، توصية بتصنيف حزب العمال الذي ينشط في مناطق حدودية عراقية مع تركيا ضمن إقليم كردستان وسنجار غرب نينوى، باعتباره “منظمة محظورة”.
وكان مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، قال في لقاء متلفز، أمس الأول، على أن وجود حزب العمال في العراق غير شرعي، مطالبا إياه بترك الأراضي العراقية، وفيما أشار إلى أن تركيا ستسحب قواتها من العراق بعد خروج حزب العمال، أكد أن “لا قرار حكوميا بالسماح للقوات التركية بدخول العراق، وهذه القوات موجودة منذ التسعينيات في كردستان”.
أما المسار الأمني، يوضح ياور، أن “الحكومات العراقية المتعاقبة قبل 40 عاما مارست سياسة الاحتواء لحزب العمال وذلك للضغط على تركيا في بعض الأمور كملف المياه وغيرها، وبعد 2003 تغيرت السياسات تجاه الحزب لكن لم تكن هناك سيطرة أو ضبط لنشاطه العسكري وانتشاره سواء من قبل القوات العراقية أو البيشمركة، بل كان هناك تمدد لوحدات حزب العمال في سنجار ومناطق أخرى”.
وعلى كلا المسارين، يعتقد الباحث أن “أي ضغط عراقي لإخراج الحزب غير موجود، فالعراق لا يملك أوراقا تمكنه من ذلك، في السابق كان العراق يحاول من خلال تركيا وبحجة وجود اتفاقيات أمنية لذا لم يعترض على أي دور أمني لتركيا في أراضيه”.
وعما اذا كانت تركيا ستسحب قواتها بعد إنهاء هذا الملف، يرجح ياور، أن “تقوم تركيا بسحب قواتها وتسليم هذه القواعد للجانب العراقي، لأن بقاءها في هذه المناطق الوعرة بحاجة إلى صرفيات كبيرة، وبحسب خبراء أمنيين أن كلفة اليوم الواحد للجندي تصل إلى 250 دولارا تقريبا، لذا هي بحاجة للتخلص من هذا الملف بأسرع وقت، كما ليس هناك ذريعة أخرى للبقاء فالمناطق التي تتواجد بها خالية من أي موارد قد تطمع بها تركيا”.
وبحسب جبار الياور وزير البشمركة السابق في حكومة إقليم كردستان، فإن “عدد القواعد العسكرية التركية الموجودة شمالي العراق يبلغ نحو 80 قاعدة، وهي متنوعة بين معسكر كبير وصغير، وموزعة بين أربيل ودهوك ونينوى، على طول الحدود العراقية ــ التركية”.
إلى ذلك، يعد الباحث في الشأن الأمني والعسكري علاء النشوع، “دعوة أوجلان لإلقاء السلاح والانخراط سياسيا مع المجتمع التركي مفاجأة كبيرة جدا لكل الأوساط السياسية في المنطقة وخاصة الأحزاب الكردية المتواجدة في تركيا وسوريا والعراق وإيران، لاسيما أن أنصاره في تركيا أعلنوا الامتثال لهذا الإعلان وإلقاء السلاح وإنهاء أي عمليات ضد القوات التركية”.
ويضيف أن “الجانب العراقي عقد مع الجانب التركي معاهدات أمنية من ضمنها تأمين الحدود وتسليم المطلوبين وهذا الاتفاق بلا شك سيحد من عمل حزب العمال ولكن في الجانب الآخر فان هناك فصائل عراقية تعمل على دعم حزب العمال الكردستاني وتتعاون معه في هذه المناطق”.
ويشير النشوع أيضا إلى أنه “بعد أحداث لبنان وسوريا وانهيار النفوذ الإيراني فيها مالت المنطقة التي يتركز بها حزب العمال إلى الهدوء نوعا ما مع توقف العمليات العسكرية وبدت تحركاته مقيدة وقد تكون اتخذت استراتيجية الانسحاب إلى العمق والدخول إلى القواعد الرئيسية في جبال قنديل وخاصة في المناطق الوعرة جدا وذات التضاريس المعقدة في انتظار مصير المنطقة في ظل الدعم الأمريكي لتركيا في سوريا وحتى في العراق”.
ويعتقد أن “الإدارة الأمريكية الجديدة أعطت لتركيا دورا جديدا سيقلب الكثير من التوقعات وخاصة في مواجهة النفوذ الإيراني ومنها القضاء على حزب العمال الكردستاني”.
ومنذ سجن أوجلان في العام 1999، جرت محاولات عديدة لإنهاء النزاع الذي خلّف أكثر من 40 ألف قتيل، كان آخرها جولة محادثات في العام 2015، إلا أنها لم تفلح.
لكن في تشرين الأول أكتوبر 2024، بادرت الحكومة التركية إلى فتح باب التفاوض عبر حليفها زعيم “حزب الحركة القومية التركية” دولت بهجلي، لتصل الأمور مؤخرا إلى تلك الدعوة التي أطلقها أوجلان من سجنه.