لا نتائج داخلية متوقعة للتصنيف الأميركي للحوثيين “جماعة إرهابية”

يأتي دخول التصنيف الأميركي للحوثيين منظمة إرهابية أجنبية حيز التنفيذ، بالتزامن مع تصعيد عسكري للحوثيين ضد المصالح الأميركية في المنطقة.

ميدل ايست نيوز: منذ الأيام الأولى لعودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تصعّد الإدارة الأميركية سياسياً ضد جماعة الحوثيين في اليمن، في إطار توجه يهدف إلى كبح نفوذ الجماعة وإضعاف قدرتها العسكرية التي تقول الولايات المتحدة إنها تشكل تهديداً لها في المنطقة. ودخل التصنيف الأميركي للحوثيين منظمة إرهابية أجنبية حيز التنفيذ، مساء الاثنين الماضي، بعد أسابيع قليلة من توقيع الرئيس الجمهوري أمراً تنفيذياً، في 22 يناير/كانون الثاني الماضي، أعاد فيه إدراج الحوثيين على قائمة “المنظمات الإرهابية الأجنبية”، وهو تصنيف كانت إدارته قد فرضته قبيل انتهاء ولايته الأولى بداية 2021. وخلال ولاية سلفه جو بايدن شُطبت الجماعة من القائمة، لتُدرج في يناير 2024، كياناً “إرهابيا دوليا مصنفا تصنيفاً خاصاً”، في ظل تصاعد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن دعماً لفلسطين.

عقوبات إضافية

بينما يؤدي كل من التصنيفين إلى فرض عقوبات اقتصادية، يفرض التصنيف الأميركي للحوثيين منظمة إرهابية أجنبية حظر سفر على أعضاء الجماعة ويسمح بفرض عقوبات على أولئك الذين يقدمون “الدعم المادي” لها. وأعلنت الإدارة الأميركية، رصد مكافأة مالية تصل إلى 15 مليون دولار مقابل الحصول على معلومات عن الشبكات المالية لجماعة الحوثيين. وذكر برنامج مكافآت من أجل العدالة (Rewards for Justice) التابع لوزارة الخارجية الأميركية، في بيان الثلاثاء الماضي، أن “هذه المكافأة تهدف إلى تعطيل المصادر المالية لجماعة الحوثيين التي قامت بمحاولات متواصلة لمهاجمة العاملين الأميركيين في الشرق الأوسط، والشركاء الإقليميين للولايات المتحدة مثل إسرائيل، وهددوا استقرار التجارة البحرية، بدعم وتمويل من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي يسلح ويدرب المنظمات الإرهابية حول العالم”.

كما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، الأربعاء الماضي، فرض عقوبات جديدة على الحوثيين شملت سبعة قادة متهمين “بتهريب مواد عسكرية وأنظمة أسلحة إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، كما تفاوضوا على مشتريات أسلحة للحوثيين من روسيا”. إضافة إلى عضو آخر متهم بإرسال مدنيين يمنيين للقتال في أوكرانيا إلى جانب القوات الروسية، هو عبد الولي عبده حسن الجابري، وذلك عبر شركته الخاصة “شركة الجابري للتجارة العامة والاستثمار”. ومن بين القادة الحوثيين المدرجين على قائمة العقوبات، رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة مهدي المشاط، وعضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، والمتحدث الرسمي باسم الجماعة محمد عبد السلام، وعضو وفدها المفاوض عبد الملك العجري.

يأتي دخول التصنيف الأميركي للحوثيين منظمة إرهابية أجنبية حيز التنفيذ، بالتزامن مع تصعيد عسكري للحوثيين ضد المصالح الأميركية في المنطقة، إذ أعلنت الجماعة، الثلاثاء الماضي، إسقاط طائرة أميركية من نوع أم كيو 9 أثناء انتهاكها الأجواء اليمنية وتنفيذها مهام عدائية في أجواء محافظة الحُديدة غربي اليمن. وتعد الطائرة رقم 15 من هذا النوع التي يعلن الحوثيون إسقاطها منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

من جهته جدد وزير الخارجية في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، شائع الزنداني، ترحيب الحكومة بقرار التصنيف الأميركي للحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، معتبراً عقب مع السفير الأميركي في اليمن، ستيفن فاغن، الأربعاء الماضي، أن هذا القرار يشكل خطوة مهمة في إضعاف قدرات الجماعة ومنعها من الحصول على الأسلحة والتمويل، وتجفيف منابع الإرهاب. كما أكد الزنداني، بحسب وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بنسختها التي تديرها الشرعية استعداد الحكومة لتعزيز التنسيق والتعاون مع الحكومة الأميركية لضمان تطبيق القرار والتخفيف من أي آثار سلبية تنعكس على الوضع الإنساني في اليمن. بدوره أشار فاغن إلى أن هذا التصنيف يأتي استجابة للتهديدات التي تشكلها المليشيات الحوثية على الأمن الأميركي، وعلى استقرار اليمن والمنطقة والعالم.

الاستفادة من التصنيف الأميركي للحوثيين منظمة إرهابية

وتبرز تساؤلات عن إمكانية استفادة الحكومة من قرار التصنيف الأميركي للحوثيين منظمة إرهابية أجنبية والعقوبات المالية في تضييق الخناق على جماعة الحوثيين، والتي يبدو أن تأثرها من القرار سيكون محدوداً، إذ سبق للإدارة الأميركية أن شملتها بالتصنيف جماعةً إرهابية دون أن يكون للقرار تأثير على أرض الواقع. علماً أن منظمات إغاثية، من بينها “العمل ضد الجوع” الفرنسية غير الحكومية و”أطباء بلا حدود” ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أعربت لـ”فرانس برس” يوم الخميس الماضي، عن خشيتها من أن يؤدي تصنيف الحوثيين “منظمة إرهابية أجنبية” من قبل الولايات المتحدة، إلى تداعيات “مدمّرة” على السكان الذين أنهكهم الصراع في البلاد. فبحسب بحسب التصنيف فإن أي شخص ينتمي للحوثيين أو يتعامل مع الجماعة التي تسيطر على صنعاء ومدن عدة شمالي وغربي اليمن، سيخاطر بملاحقته قضائياً من قبل الولايات المتحدة، ما قد يؤثر على الواردات إلى اليمن، من بينها الواردات الغذائية.

في هذا الصدد يرى المتخصص اليمني في العلاقات الدولية، يوسف مرعي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “أسباب غياب الضغط السياسي والعسكري للشرعية على جماعة الحوثيين تتمثل بحالة الهشاشة الهيكلية المزمنة للحكومة الشرعية، وغياب الوحدة السياسية والعسكرية لها، ما قاد إلى غياب قدرتها على المباغتة وشن هجمات فعالة ضد الجماعة”. يحضر سؤال هنا لا بد من طرحه، وفق مرعي، وهو “إذا كان الدعم السعودي المتمثل بالإسناد الجوي في معركة مأرب 2021 هو ما منع محاولة إسقاط مأرب بيد الحوثيين، فكيف سيكون الوضع حالياً؟”، خصوصاً “مع تصاعد الضجيج العسكري للحوثيين بسبب ما تقول الجماعة إنه عملية إسناد غزة، ووجود فائض قوة بشرية بحسب قراءات دولية، فضلاً عن عمليات التجنيد القسري لأبناء القبائل والزج بهم في الصفوف الأمامية”.

ويضيف مرعي أنه من ضمن الأسباب أيضاً “ضعف الموارد لدى الحكومة الشرعية، فسنوات الحرب أدت إلى تدمير البنية التحتية فضلاً عن غياب الدور الرقابي للحد من عمليات الفساد، وهو الأمر الذي قلل من إمكانية الحصول على الموارد لتمويل هجمات عسكرية ضد الجماعة”. يأتي ذلك إلى جانب أن “الشرعية للأسف الشديد لم تتمكن من تعزيز حضورها الشعبي في المناطق المحررة (من الحوثيين)”، لافتاً إلى أنها “تعيش حالياً وضعاً مقلقاً يتعلق بمستقبل وجودها بسبب عدم فاعليتها في ما يتعلق بتحسين الأوضاع الاقتصادية، ووضع حد لانهيار العملة الوطنية، وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه”. وبرأي مرعي فقد دفع ذلك إلى “رفع وتيرة احتجاجات الشارع المناهض لسياسات مجلس القيادة الرئاسي والحكومة على حد سواء”.

وحول تداعيات العقوبات على الحوثيين يرى مرعي أنه “ما لم يتزامن ذلك مع ضغط ميداني فإنها قد لا تكون فعالة بما فيه الكفاية”، موضحاً أن “الحوثيين وخلال سنوات الحرب بنوا شبكات تمويل محلية وإقليمية”. ويضيف أن “داعمهم الأقليمي إيران قد أمدهم بما يحتاجونه من أساليب للالتفاف على العقوبات بحكم تجربة العقوبات على إيران الممتدة لأكثر من أربعين عاماً”.

فرصة للحوثيين

ويمكن للحوثيين الاستفادة من ورقة العقوبات، إذ يشير مرعي إلى أنه “سيتم توظيفها في سياقهم الدعائي بأنهم يواجهون الاستعمار الجديد، وأن ذلك ثمن وقوفهم مع فلسطين”، والأخطر بالنسبة له “أنه في حال عززت جماعة الحوثيين نفوذها شمالاً وسقوط بعض المناطق في يدها رغم العقوبات، فإن ذلك قد يفتح باب الفرص الدولية لها من حيث ظن خصومها أنهم قد أغلقوه عليها”.

ويوضح أن ذلك “قد يدفع ببعض الدول إلى إعادة تقييم تحالفاتها والبحث عن تسويات سياسية تتجاوز الحكومة المعترف بها دولياً، بذريعة أن هذه الحكومة لم تعمل على تحقيق الاستقرار، وأهدرت الكثير من الفرص التي أتيحت لها لتقويض سيطرة الجماعة الحوثية”.

كذلك يرى المحلل السياسي، سعيد عقلان، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الحكومة الشرعية أصبحت عاجزة عن امتلاك قرارها، وباتت مسيَّرة أكثر من أي وقت مضى بعد أن سلمت قرارها بالكامل للخارج”، معتبراً بالتالي أن هذا الأمر “انعكس على غياب القرار السياسي والعسكري والاقتصادي أيضاً”.

ويوضح عقلان أن هذه الحكومة “فقدت أوراق الضغط، لذا نلاحظ أنها عاجزة عن اتخاذ أي دور ضاغط على الحوثيين سواء في الملعب السياسي أو على الأرض في الميدان، ولهذا فهي عاجزة عن الاستفادة من التوجه الدولي والإقليمي الممارس ضد جماعة الحوثيين والمتمثل بفرض عقوبات مالية على عدد من قيادات الجماعة إلى جانب التصنيف الأميركي للحوثيين منظمة إرهابية أجنبية”.

ولا تزال الحكومة حتى الآن عاجزة عن معالجة الاختلالات في المجلس الرئاسي، بحسب عقلان، موضحاً أن المجلس “يعاني من حالة تشظ غير مسبوقة في ظل خلافات بين رئاسة مجلس القيادة الرئاسي ورئاسة الحكومة”، مضيفاً أن “الشرعية لا تزال تعاني من تعدد الكيانات العسكرية التابعة لها وتعجز حتى الآن عن توحيدها تحت قيادة وزارة الدفاع، ما يمثل عامل قوة لصالح الانقلابيين الحوثيين”.

ويقول عقلان إن “عدم استغلال الشرعية للموقف الدولي ضد الحوثيين في إحداث تغييرات سياسية وعسكرية يمكن أن ينعكس سلباً من خلال دخول الحوثيين في مفاوضات مع الإدارة الأميركية لإلغاء تصنيف الجماعة جماعة إرهابية، والاعتراف بسلطة جماعة الحوثي سلطةَ أمر واقع مقابل وقف الحوثيين لعملياتهم العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن”.

ويشير خصوصاً إلى أن “الحوثيين تجاوزوا الحكومة الشرعية ودخلوا في مشاورات مباشرة مع السعودية”، معتبراً أنه “إذا استمر الوضع على ما هو عليه فسنرى تغييبا تاما للحكومة الشرعية عن مفاوضات حل الأزمة اليمنية”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى