ما وراء تصعيد ترامب ضد إيران: تمهيد لضربة عسكرية؟

بعد شهر ونصف على بداية رئاسته، وجد الرئيس ترامب أن إدارته تقف على عتبة أزمة بدأت تكبر بصورة متسارعة، وتهدد الأجندة التي طرحها وصدقية وعوده في تنفيذها.

ميدل ايست نيوز: فجأة، انتقل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مخاطبته لإيران من التحذير، إلى نبرة تلامس الإنذار. في فبراير/ شباط الماضي، كرر رغبته في التوصل إلى اتفاق مع طهران حول مشروعها النووي. وقيل آنذاك إن حكومة بنيامين نتنياهو كانت “تفضّل” ألا تسمع هذه النغمة، ما تسبب بقدر من التوتر، الذي حمل إدارة ترامب على فتح خط التفاوض المباشر مع حركة حماس لإنجاز صفقة حول المتبقي من المحتجزين، بحجة أن من بينهم أميركياً.

الجمعة، رفع ترامب العيار في كلامه عن إيران. خلال دردشة مع الصحافيين في البيت الأبيض، قال متوعداً إن “شيئاً ما سيحدث قريباً” في هذا الملف، وسيكون موضوع حديث الصحافة.

وكشف عن أنه أرسل كتاباً إلى المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي يوم الأربعاء، حول الموضوع. وفي ذات اليوم، أجرى مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، انطوت على ما يشبه التهديد باحتمال قيام أميركا بعملية عسكرية ضد طهران، إذا لم توافق على الدخول في مفاوضات لعقد صفقة “يفضّلها” حول مشروعها النووي. فهو يرى أن هناك خياراً من اثنين للتعامل مع هذا الملف، فإما عسكرياً، وإما بعقد صفقة، معرباً عن أمله في أن “تختار إيران التفاوض، لأن ذلك أفضل لها بكثير.. وإلّا فإن الأمر سيكون فظيعاً بالنسبة إليها”، على حدّ تعبيره.

وهذه المرة الأولى التي يذهب فيها ترامب إلى مثل هذا الحدّ من الوضوح في هزّ العصا. وإذا كانت المواقف تُقرأ وتُفسّر عموماً في ضوء خلفياتها التي تشكل جزءاً هاماً من معطياتها، فإن خلفيات ما قاله الرئيس ترامب في اليومين الأخيرين، معطوفاً على التطورات الايرانية الأخيرة (رجحان كفة المتشددين وإقالة محمد جواد ظريف)، تفرض أخذه على محمل الجدّ.

بعد شهر ونصف على بداية رئاسته، وجد الرئيس ترامب أن إدارته تقف على عتبة أزمة بدأت تكبر بصورة متسارعة، وتهدد الأجندة التي طرحها وصدقية وعوده في تنفيذها. وكانت مسألة الرسوم الجمركية أخطرها، إذ كشفت عن ارتجالية فاضحة في عملية طبخ القرار، خصوصاً في أمور حساسة من هذا العيار. الخميس، تراجع ترامب للمرة الثانية في غضون يومين، عن قرار فرض تعرفة جمركية إضافية بمقدار 25% على بضائع شاملة ثم جزئية، كندية ومكسيكية. يفرضها في النهار، ثم يصرف النظر عنها في المساء، تحت ضغوط الأسواق المالية والأسعار، ليقرر تأجيلها لمدة شهر آخر. التأرجح غير المسبوق في قضية تطاول قطاعات حيوية مؤثرة في الوضع الاقتصادي، شلّ الحركة، وصار أحد الهموم وحديث الساعة في واشنطن. النتائج السلبية والمؤذية لمثل هذا الإجراء، كانت واضحة مسبقاً. مع ذلك، أصرّ البيت الأبيض على المضي به. التراجع الاضطراري أثار الاستغراب والبلبلة، حتى في صفوف الإدارة والجمهوريين في الكونغرس، وبما تحول إلى شيء من “النكسة المحرجة” للإدارة، خصوصاً أنها بدأت تنعكس سلباً في الاستطلاعات والردود.

وزاد الطين بلّة في هزّ صورة الإدارة الجديدة، أن نكسة الرسوم واكبتها بداية تأفف، بل توتر وملاسنات داخل الإدارة، بسبب انتفاخ دور الملياردير إيلون ماسك. فقد ذكرت معلومات مسرّبة إلى نيويورك تايمز من داخل الاجتماع الحكومي لكامل أركان الإدارة الخميس في البيت الأبيض، أن احتكاكات حصلت بين وزراء (من بينهم وزير الخارجية ماركو روبيو) وماسك، ما اضطر ترامب إلى الاستدراك لكبح اندفاع هذا الأخير، من خلال إعادة المبادرة للوزراء في شؤون وزاراتهم، على أن يقتصر دور ماسك على “إسداء النصيحة” وفق الصحيفة. وهذه بداية مرشحة للتطور، في ضوء النفور المتزايد في الكونغرس وغيره من جموح ماسك في مهمته، التي صاحبتها خطوات اعتباطية، زعزعزت الثقة بالإصلاح المزعوم، مثل تسريح موظفين من دوائر حساسة، ثم التراجع عن القرار لإعادتهم إلى وظائفهم، ما عزز الاعتقاد بأن العملية ليست مدروسة كفاية، ولا تخلو من العشوائية، أو على الأقل، هكذا تكوّن الانطباع.

وسط هذه الإخفاقات المربكة والمبكرة للإدارة، كان من اللافت أن يسارع الرئيس ترامب إلى فتح الملف الإيراني بلغة تستبطن التهديد بضربة عسكرية في هذه اللحظة المثقلة بمتاعبه المحلية المتفاقمة. وكأن هناك ربطاً بين هذه اللحظة، واستحضار ترامب للخيار العسكري بهذه الصورة، الذي يحتمل أكثر من تفسير. فقد لا يكون أكثر من رد على كلام المرشد الأعلى الذي قال عشية إقالة ظريف، إن الحوار مع أميركا “لا يعبّر عن حكمة ولا عن ذكاء”، وذلك في محاولة لإعادته إلى سكة التفاوض. كذلك قد يكون محاولة لاغتنام فرصة معاناة الوضع الإيراني من “شروخات داخلية” عميقة، لانتزاع تنازلات مهمة بشأن النووي. لكن في شتى الحالات، لا يُستبعد أن تكون صعوبات ترامب الراهنة قد تقاطعت في هذه اللحظة مع رغبة نتنياهو وحكومته في توجيه ضربة عسكرية كبيرة ضد إيران. احتمال لم يخرج من التداول، رغم تكرار تفضيل ترامب لخيار الصفقة، لكن النبرة، كما الحسابات، اختلفت الآن.

فكتور شلهوب
تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
التلفزيون العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة عشر + واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى