تشاؤم في سوق النفط والمضاربون يراهنون على هبوط الأسعار

تهديدات الحرب التجارية وتوقعات بزيادة الإمدادات وهدوء المخاطر الجيوسياسية تضغط على أسعار النفط.

ميدل ايست نيوز: هبطت أسعار النفط فجأة دون مسار عرضي ضيق دام شهوراً هذا الأسبوع لتلامس أدنى مستوياتها في ثلاث سنوات. والآن يتساءل المتداولون إذا كان هذا الهبوط سيتواصل بشكل أعمق.

ساهم تزامن العديد من العوامل السلبية في تشكيل أسوأ معنويات هبوطية تواجه سوق النفط في التاريخ الحديث. إذ أعلنت منظمة “أوبك” وحلفاؤها بشكل مفاجئ عن خطط لزيادة الإمدادات مع تداول الخام بالقرب من مستوى 70 دولاراً للبرميل، وهو ما يعد تحولاً عن مساعي التحالف المتواصلة لدعم الأسعار. وفي الوقت نفسه، يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب تهديد أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين بحرب تجارية قد تؤدي لتقلص الطلب.

ومن جهة أخرى، تهدأ المخاطر الجيوسياسية على نطاق واسع بعد أن أبدت روسيا استعدادها لمناقشة هدنة مؤقتة في أوكرانيا لأول مرة منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من ثلاث سنوات. في الوقت نفسه، طلبت الصين، أكبر مستورد للخام في العالم، من مصافيها الابتعاد عن تصنيع الوقود الأساسي مثل البنزين والديزل، وهي إشارة على تقلب توقعات الطلب على المدى الطويل.

وبشكل عام، ساعدت هذه العوامل في دفع أسعار العقود الآجلة لخام برنت المرجعي إلى ما دون نطاقها العرضي بين 70 و85 دولاراً للبرميل والذي كانت تتداول فيه منذ سبتمبر. ويراهن المضاربون على استمرار الهبوط.

صناديق التحوط تقلص المراكز الشرائية

في علامة جديدة على ازدياد التوقعات بتراجع أسعار النفط، خفضت صناديق التحوط رهاناتها على ارتفاع أسعار خام غرب تكساس الوسيط، حيث قلّصت إجمالي عقود الشراء بمقدار 2266 عقداً إلى 172576 عقداً، لتقترب من أدنى مستوياتها منذ 2010، في الأسبوع المنتهي في 4 مارس، وفقاً للجنة تداول العقود الآجلة للسلع في الولايات المتحدة.

كما تقلصت عقود الشراء لخام برنت بمقدار 41583 عقداً، وهو أكبر انخفاض منذ يوليو، وفقاً للأرقام الصادرة عن بورصة “إنتركونتيننتال إكستشينج” للعقود الآجلة في أوروبا.

“كان تأثير ترمب بشأن أسواق الطاقة واضحاً: فهو يحث (أوبك) على زيادة الإنتاج بينما ينخرط في الوقت نفسه في مفاوضات مغلقة تهدف إلى تهدئة الصراع بين روسيا وأوكرانيا”، وفق ما كتبته “كايلر كابيتال” (Cayler Capital)، شركة استشارات تداول السلع الأساسية التي تركز على النفط والتي يديرها برنت بيلوت، في رسالة إلى المستثمرين اطلعت عليها بلومبرغ. وأضافت: “المحصلة النهائية هي تحول هبوطي في قطاع النفط، مع انخفاض الأسعار في ظل استمرار حالة عدم اليقين”.

وول ستريت تخفض توقعاتها لأسعار النفط

كل هذه العوامل تزيد من تشاؤم وول ستريت. ويتوقع مصرف “مورغان ستانلي” الآن أن يبلغ متوسط ​​سعر خام برنت 70 دولاراً هذا العام، بانخفاض 5 دولارات عن التوقعات السابقة. ويرى “غولدمان ساكس” أن هناك مخاطر من انخفاض الأسعار إلى ما دون نطاقها المتوقع الذي يتراوح بين 70 و85 دولاراً للبرميل. وأصبح بنك “جيه بي مورغان تشيس” أول من توقع تراجع سعر للنفط إلى حوالي 50 دولارا للبرميل خلال مؤتمر للطاقة في لندن الأسبوع الماضي، في حين توقعت “سيتي غروب” بلوغ مستويات 60 دولاراً.

تراجع أسعار نفط الشرق الأوسط

يظهر تحذير آخر في سعر خام الشرق الأوسط، الذي كان أحد أقوى أركان سوق النفط في أعقاب العقوبات الأميركية على النفط الروسي والإيراني. وهوت هذه الأسعار مقارنة بمؤشر دبي الإقليمي مع تراجع الطلب على الشحنات البديلة للإمدادات الخاضعة للعقوبات. كما تقلصت علاوة “مربان”، وهو خام أساسي للمشترين الآسيويين، على خام دبي.

وانخفضت واردات الصين من الخام خلال أول شهرين من هذا العام بنحو 5% مقارنة بالعام السابق. كما يتم تسليم النفط الإيراني إلى الموانئ الصينية على متن ناقلات أصغر حجماً في ظل الضغوط المتزايدة من العقوبات الأميركية.

كتب محللو “آر بي سي كابيتال ماركتس” (RBC Capital Markets)، بمن فيهم برايان ليسين وهيليما كروفت، هذا الأسبوع: “استمر تدفق النفط الخاضع للعقوبات دون أن يتأثر بشكل ملحوظ، في ظل عدم استمرار الاضطرابات التي شهدها في بادئ الأمر لفترة طويلة”. وأوضحوا: “في الواقع، أثرت اضطرابات يناير على الشحنات المادية، وأحدثت تغييراً في سلوك شراء الخام، ولكن كما رأينا في أكثر من مناسبة منذ 2023، فإن سلسلة التوريد المعتمدة على أسطول الظل تتفوق على نفسها”.

وفي الوقت نفسه، ظلت أسعار الدرجات الأخف من الخام منخفضة بشكل مستمر هذا العام مع نمو الإنتاج. ومن المقرر أن تزيد كازاخستان صادراتها النفطية هذا الشهر بعد توسعة أحد أكبر حقول البلاد. ومن المتوقع أيضاً ارتفاع الإمدادات من خارج تحالف “أوبك+” في وقت لاحق من العام، إذ تتوقع وكالة الطاقة الدولية فائضاً حتى قبل أحدث تحرك للمجموعة.

مخاطر إيران

هناك أسباب تدعو للاعتقاد بأن هناك حداً لأي انخفاض آخر في أسعار النفط، ولكن:

  • تستمر إدارة ترمب في التهديد بتطبيق سياسة “الضغوط القصوى” تجاه إيران، وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت مؤخراً إن الهدف هو خفض تدفقات نفط طهران بأكثر من 90%.
  • أشارت الولايات المتحدة بالفعل إلى خططها لسحب ترخيص “شيفرون” لضخ وبيع نفط فنزويلا، وهي الخطوة التي من المحتمل أن تؤدي إلى خروج 200 ألف برميل يوميا من الخام من السوق.
  • كما تستعد الولايات المتحدة لإجبار المزيد من الشركات على التوقف عن العمل في فنزويلا.
  • التهديد الوشيك باندلاع صراع جديد بين إسرائيل وحماس في ظل إدارة أميركية أكثر تشدداً من سابقتها.
  • يسعى وزير الطاقة الأميركي إلى الحصول على 20 مليار دولار لإعادة ملء الاحتياطي الاستراتيجي من النفط، وهي خطوة ستعزز الطلب على النفط بشكل فعال.

بالإضافة إلى ذلك، هناك سؤال أشمل; إلى أي مدى قد تتراجع الأسعار قبل اضطراب إنتاج النفط.

وفي بعض الأوقات من هذا الأسبوع، كان سعر الخام الأميركي للعام المقبل يُتداول عند 60 دولارا، وهو أدنى مستوى منذ 2023، وهو ما بدأ في تهديد نمو الإنتاج، بحسب متعاملين ومحللين. كما أكد “أوبك+” أن تحركاته يمكن “تعليقها أو عكسها حسب ظروف السوق”.

قال غاري روس الرئيس التنفيذي لشركة “بلاك غولد إنفستورز”: “الشيء الوحيد الذي يمكن أن يوازن كل هذا هو ممارسة أقصى الضغوط على إيران، لكننا نعلم أن ترمب يريد خفض أسعار النفط. ولا يبدو أن سياسة الضغوط القصوى ستطبق في أي وقت قريب”.

تأثير سياسات ترمب يمتد إلى سوق النفط

حتى الآن، أدت تداعيات سياسات ترمب الاقتصادية إلى هبوط أسواق الأسهم بنحو 6% من أعلى مستوى لها قبل أقل من ثلاثة أسابيع. ومع انخفاض ثقة المستهلك الأميركي بأكبر قدر منذ 2021 في أواخر الشهر الماضي، هبطت أسعار عقود مزيج برنت الآجلة، وهي واحدة من أوضح العلامات على أن تأثير الاضطرابات الناجمة عن الرسوم الجمركية في الأسواق المالية الأوسع نطاقاً يمتد إلى النفط.

وهذا يعني أن مستقبل سعر النفط لن يتوقف على سياسة العرض فقط. فقد تستلزم المرحلة التالية التركيز بشكل كبير على البيانات الاقتصادية الكلية من الولايات المتحدة والصين، أكبر مستهلكين للخام في العالم، وفقاً للتجار والمحللين.

قال ألدو سبانجر، كبير استراتيجيي مكتب السلع الأساسية في “بي إن بي باريبا”: “الرسوم الجمركية ستؤثر سلباً على النمو، والناس الآن قلقون بشأن النمو في الولايات المتحدة”، وخلص إلى أن “هذا تأكيد لجميع المراهنين على هبوط الأسعار. وبالتالي، فإن أي متفائل لن يتخذ قراراً بالشراء الآن”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الشرق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى