خيارات إيران في مواجهة الضغوط الأميركية القصوى

إن الهدف من إرسال ترامب خطابا للمرشد "قد يكون إتمام الحجة، أي يعلن أنه قد بذلت جهودي لحل المسألة عبر السلام، لكنني لم أتوصل إلى نتيجة فاخترت الخيار العسكري".

ميدل ايست نيوز: بعد مرور أكثر من شهر على توليه الرئاسة الأميركية، بدأ الرئيس دونالد ترامب بالتركيز أكثر على الملف النووي الإيراني خلال الأيام الأخيرة، ووضع إيران في مواجهة الضغوط الأميركية القصوى بنسختها الثانية وبمختلف أبعادها، سواء بتشديد متواصل للعقوبات وتضييق الخناق على اقتصادها والتلويح بتوقيف ناقلات نفطها في سبيل تصفير صادراتها النفطية، أو زيادة التهديد بالخيار العسكري بديلاً للتفاوض في ظل الرفض الإيراني، وصولاً إلى مخاطبة المرشد الإيراني علي خامنئي، الخميس الماضي، مباشرةً في رسالة قالت طهران إنها لم تصل إليها بعد.

وكشف ترامب أول من أمس الجمعة في مقتطفات من مقابلته مع قناة فوكس بيزنس عن إرساله خطاباً إلى القيادة الإيرانية، مضيفاً: “قلت إني آمل أن تتفاوضوا، لأن الأمر سيكون أفضل بكثير بالنسبة إلى إيران”. وأبدى اعتقاده “أنهم يريدون الحصول على هذه الرسالة. البديل الآخر هو أن نفعل شيئاً، لأنه لا يمكن السماح بامتلاك سلاح نووي آخر”.

إيران في مواجهة الضغوط الأميركية

ثم في وقت لاحق، قال ترامب في مؤتمر صحافي عقده في المكتب البيضاوي بشأن وضع إيران في مواجهة الضغوط الأميركية القصوى، إن “هناك وضعاً مع إيران، وسيحدث شيء قريباً. قريباً ستتحدثون عن ذلك. آمل أن نتمكن من التوصل إلى اتفاق سلام”، مشيراً إلى أن “لدينا أيام مثيرة قادمة. سنرى ما سيحدث، لكننا دخلنا في المرحلة الأخيرة”.

وأكد ترامب بقوله: “أفضّل اتفاق السلام على الخيار الآخر، لكن الخيار الآخر أيضاً سيحل المشكلة”.

من جهته، رد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في تصريحات لوكالة فرانس برس في جدة، على هامش مشاركته في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في جدة، أول من أمس الجمعة، على تهديدات ترامب لطهران ووضع إيران في مواجهة الضغوط الأميركية القصوى، بالقول: “طالما استمرت سياسة الضغوط القصوى والتهديدات الأميركية، فلن ندخل في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة”.

وأكد المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، أمس السبت، أن طهران لن تتفاوض تحت ضغط من أي “دولة تمارس البلطجة”، وذلك بعد يوم من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه أرسل رسالة إليه للتفاوض على اتفاق نووي.

وشدّد خلال استقباله رؤساء السلطات وكبار المسؤولين في الأجهزة العسكرية والمدنية المختلفة، على أن “أميركا لا تريد فقط التفاوض حول الملف النووي، بل طرح توقعات جديدة لن تُحققها إيران”، وأكد أن “طهران لن تقبل أبداً مطالب كبح برنامجها الصاروخي”.

وكان المرشد الأعلى الإيراني قد حظر في السابع من شهر فبراير/شباط الماضي إجراء أي تفاوض مع الإدارة الأميركية الحالية، قائلاً إن التجربة أثبتت أن التفاوض الإيراني مع أميركا “ليس ذكياً ولا مشرّفاً ولا حكيماً”، وأن المفاوضات “لن تحل مشاكل إيران”.

وبرأي الخبير الإيراني حسن بهشتي بور، فإن تصريحات ترامب حول ما سيحدث “قريباً” مع إيران ورسالته إلى المرشد الإيراني “لعبة دعائية وإعلامية”، قائلاً في حديث مع “العربي الجديد” إن الهدف من إرسال الخطاب “قد يكون إتمام الحجة، أي يعلن أنه قد بذلت جهودي لحل المسألة عبر السلام، لكنني لم أتوصل إلى نتيجة فاخترت الخيار العسكري”، مضيفاً أن هذا التصرف تجاه إيران “أي التهديد بهذا الخيار والحث على التفاوض معناه الدخول في المفاوضات في ظروف صعبة”.

لكن بهشتي بور استبعد أن يكون الرئيس الأميركي بصدد شن حرب على إيران فعلاً “فهو كان ينتقد بشدة (الرئيس الأميركي السابق جو) بايدن و(الرئيس الأميركي الأسبق باراك) أوباما بسبب فرض حروب على الولايات المتحدة، كلّفتها ألفي مليار دولار من دون تحقيق نتيجة”.

وأوضح أنه في الوقت ذاته ليس مستبعداً أن تشنّ إسرائيل ضربات على المنشآت النووية الإيرانية نيابة عن أميركا وبدعمها. ولفت إلى أن التفاوض بحاجة إلى “ظروف مواتية لم تنضح بعد، ولا يمكن التفاوض تحت ضغط التهديد والضغوط القصوى”، مؤكداً أن تخلي ترامب عن المذكرة التنفيذية التي وقع عليها ضد إيران خلال الشهر الماضي، من شأنه أن يساهم في توفير مناخ مناسب للتفاوض “لكن إن لم يفعل ذلك فالتفاوض في غير هذه الحالة يعني فرضه على إيران تحت الضغط ونتيجة مثل هذه المفاوضات واضحة من قبل”.

عن خيارات إيران في مواجهة الضغوط الأميركية القصوى، قال الخبير الإيراني صلاح الدين خديو لـ”العربي الجديد” إنه في ظل التطورات المتسارعة التي شهدتها المنطقة، فقدت إيران “القوى الوكيلة لها إلى حد كبير، منها سقوط بشار الأسد والإضعاف الشديد لحزب الله”، مستخلصاً إلى أنها في ظل هذا الوضع “لا تمتلك أدوات جادة ومؤثرة في التصدي للجولة الجديدة للضغوط القصوى” التي يمارسها دونالد ترامب.

ورجح خديو أن “تسعى إيران لكسب الوقت حالياً” والبحث عن آلية لـ”تأجيل المواجهة العسكرية الأميركية مع برنامجها النووي إن كانت هناك نية لهذه المواجهة”، مع الرغبة في وقوع تطورات في العلاقة بين ترامب ودول المنطقة “تبطئ سرعة الضغوط القصوى”، فضلاً عن الإبقاء على “قنوات الاتصال الدبلوماسية مفتوحة رغم المواقف الإعلامية”. وأشار في السياق إلى أهمية الخط الجديد، أي الخط الروسي بعد إعلان الكرملين استعداده للتوسط بين طهران وواشنطن.

ووفقاً لخديو، فإن الحكومة الإيرانية أيضاً ترغب في وضع “اتفاق محدود ومؤقت” على جدول أعمال الرئيس الأميركي، مثل تفاهمات محدودة حصلت في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن “أبطأت التقدم النووي الإيراني مقابل رفع بعض القيود وتصدير النفط بشكل أسهل”.

ولفت إلى أن “الورقة الوحيدة التي تمتلكها إيران هي التطوير السريع لبرنامجها النووي الذي سلب من الطرف الآخر عامل الوقت”، موضحاً أن تجنب ترامب الحروب “قد خلق أملاً لدى إيران بأن التقدم النووي يصنع درعاً لكسب المزيد من الوقت”. لكن المشكلة برأي خديو هي أن إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو تريد بـ”فارغ الصبر” تسخين الملفات الخارجية، بما فيها التصعيد مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سبيلاً للحد من الانتقادات الداخلية التي يواجهها على خلفية عدم حسم الحرب على غزة وفشل إنهاء حركة حماس.

الفارق بين أوباما وترامب

من جهته، قال القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني، حسين كنعاني مقدم لـ”العربي الجديد” إن سياسة أوباما تجاه إيران كانت تعتمد “لا للحرب ولا للسلام، نعم للتفاوض”، مشيراً إلى أن الاتفاق النووي أُبرم وفق هذه المعادلة عام 2015، لكن سياسة ترامب بنسختيها في ولايتيه، السابقة والحالية، تعتمد مبدأ “إما السلام وإما الحرب”، واصفاً هذه السياسة بأنها “فاشلة”.

وذكّر كنعاني مقدم بأن المرشد الأعلى أكد عام 2018 تعليقاً على هذه السياسة أنه “لن تحدث حرب ولن نتفاوض”، مؤكداً أن شنّ حرب على إيران “يعني حرب عالمية ثالثة وبلادنا عازمة على الرد على أي هجوم، وعملياً الحرب ستطاول كل المنطقة”. وشدد على أن “الصواريخ والمسيرات الإيرانية ستستهدف جميع القواعد الأميركية والكيان الصهيوني”، مضيفاً أن “نهاية هذه الحرب ستكون بيد إيران”.

ورأى كنعاني مقدم أن ترامب “ليس إلا مقامراً”، مقللاً من تهديداته بالخيار العسكري ضد البرنامج النووي الإيراني. وأكد أن خيار إيران في مواجهة الضغوط الأميركية القصوى هو “لا تفاوض ولا حرب، فنحن لن نتفاوض في ظل استمرار العقوبات، ولن نستبق في شن حرب، لكن إذا شنت علينا ستشتعل كل المنطقة برمتها”.

وتعليقاً على التهديدات الإسرائيلية والأميركية بضرب المنشآت النووية الإيرانية، توعد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، الجنرال محمد باقري، في 19 فبراير الماضي، على هامش مناورات “الرسول الأعظم الـ19” للسلاح البري للحرس الثوري الإيراني بزعزعة أمن منطقة الشرق الأوسط كلها، اذا تعرضت إيران لأي اعتداء، قائلاً إنه “إذا تهدد أمن إيران فسيتهدد أمن منطقة الشرق الأوسط، ولن يشهد المسببون بذلك وحماتهم هدوءاً”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة عشر − 12 =

زر الذهاب إلى الأعلى