من الصحافة الإيرانية: طهران ودبلوماسية الظل
يمكن اعتبار استراتيجية إيران في الحفاظ على الهدوء والابتعاد عن ردود الفعل المتسرعة تكتيكًا ذكيًا لإدارة التوترات والحفاظ على موقعها الدبلوماسي.

ميدل ايست نيوز: عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتماعا مغلقا الأربعاء لبحث زيادة مخزون إيران من اليورانيوم المخصب إلى ما يقرب من درجة صنع الأسلحة.
طلب عقد الاجتماع ستة من أعضاء مجلس الأمن، وهم فرنسا واليونان وبنما وكوريا الجنوبية وبريطانيا والولايات المتحدة. وذكر الدبلوماسيون أن هؤلاء الأعضاء يريدون أيضا من المجلس مناقشة التزام طهران بتزويد الوكالة الدولية للطاقة الذرية «بالمعلومات اللازمة لتوضيح المسائل العالقة المرتبطة بمواد نووية غير معلنة تم اكتشافها في مواقع عديدة في إيران».
ولم ترد بعثة طهران لدى الأمم المتحدة في نيويورك حتى الآن على طلب للتعليق على الاجتماع المزمع. وتنفي إيران رغبتها في تطوير سلاح نووي، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حذرت من أنها تعمل على تسريع تخصيب اليورانيوم بشكل حاد إلى درجة نقاء تصل إلى 60 بالمئة، وهو ما يقترب من المستوى اللازم لصنع الأسلحة النووية البالغ 90 بالمئة.
نظرة فنية أم تصعيد سياسي؟
وقالت صحيفة شرق في تقرير لها، إن جلسة مجلس الأمن اليوم غير العلنية بشأن البرنامج النووي الإيراني، التي تجاوزت كونها مجرد اجتماع دبلوماسي، تناولت التوترات الجيوسياسية في المجتمع الدولي. ففي حين يرى الغرب أن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديدًا للأمن الدولي، تؤكد طهران على حقوقها في إطار المعاهدات الدولية. في هذا السياق، يمكن اعتبار استراتيجية إيران في الحفاظ على الهدوء والابتعاد عن ردود الفعل المتسرعة تكتيكًا ذكيًا لإدارة التوترات والحفاظ على موقعها الدبلوماسي. ومع ذلك، فإن مستقبل هذه الأزمة لا يزال غامضًا ويعتمد على القرارات السياسية من اللاعبين الرئيسيين.
في الوهلة الأولى، يبدو أن زيادة احتياطيات إيران من اليورانيوم هي مسألة فنية في إطار الاتفاقات الدولية. لكن الحقيقة هي أن هذه القضية قد تحولت تدريجياً إلى مسألة توفر ذريعة لزيادة الضغوط الدولية على طهران. ادعت الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وحلفاؤها، أن هذه الزيادة تشكل تهديدًا للأمن العالمي وسعيًا من إيران للحصول على سلاح نووي. بالتالي، من المرجح أن تكون جلسة مجلس الأمن اليوم خلف الأبواب المغلقة ليست مجرد دراسة القضايا الفنية للبرنامج النووي الإيراني، بل ساحة لعرض التصادم بين السياسات العالمية. الدول الست التي طلبت عقد هذه الجلسة (فرنسا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية، اليونان، وبنما) جميعها لديها مصالح في تقليص نفوذ إيران على الساحة الدولية.
صمت طهران؛ هل هو تكتيك ذكي؟
بينما نشرت وكالة رويترز خبر عقد الجلسة غير العلنية لمجلس الأمن بشأن زيادة احتياطيات اليورانيوم الإيراني، لم يصدر أي موقف رسمي من طهران بشأن هذا الاجتماع حتى وقت إعداد التقرير. يمكن تحليل هذا الصمت من زاويتين: أولاً، “استراتيجية الدبلوماسية الصبر والانتظار”، حيث يُحتمل أن تفضل إيران، بدلاً من رد فعل عاطفي، أن تسير في طريق يحافظ على مصالحها على المدى الطويل. تم استخدام هذه الاستراتيجية أيضًا في مواجهة العقوبات الغربية في الماضي. السيناريو الثاني يتعلق بـ”تجنب المزيد من استفزاز المجتمع الدولي”، حيث أن أي رد فعل قاسي قد يهيئ الأرضية لتوافق أوسع ضد طهران. لذلك، يمكن أن يكون صمت إيران أيضًا رسالة إلى حلفائها وأعدائها على حد سواء بأن طهران، بغض النظر عن الضغوط الدولية، ستواصل برنامجها النووي دون تغييرات جوهرية.
اختبار لسياسات روسيا
ستكون جلسة مجلس الأمن اختبارًا هامًا ليس لإيران فحسب، بل أيضًا لروسيا والصين. فقد عملت هاتان الدولتان في السنوات الأخيرة كداعمين سياسيين واقتصاديين لإيران في مواجهة ضغوط الغرب. ولكن هل ستستمر هذه الدعومات في الظروف الحالية؟ خاصة روسيا التي، بعد تهدئة العلاقات بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، يبدو أنها تتبع سياسة أكثر حذرًا في سياستها الخارجية. فصحيح أن الكرملين يحقق مصالح من التعامل مع إيران، إلا أنه قد يعتمد على موقف وساطة في مجلس الأمن لتجنب التصعيد المباشر مع الغرب. على أي حال، كانت روسيا دائمًا تسعى إلى لعب دور مزدوج في الملف الإيراني. من جهة، كانت هذه الدولة واحدة من الموردين الرئيسيين للتكنولوجيا النووية لإيران وأحد الداعمين الرئيسيين لطهران في مواجهة العقوبات الغربية. من جهة أخرى، بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يبدو أن موسكو تسعى لتحسين علاقاتها مع الغرب، خاصة بعد التحولات الأخيرة في السياسة الخارجية الأمريكية والأوروبية، مما يجعلها أكثر حرصًا في سلوكها.