إيران تواجه أزمة نزوح ريفي مع تراجع سكان القرى بنسبة كبيرة
لا تقتصر ظاهرة خلو المناطق الريفية من السكان على المناطق الوسطى والجافة في إيران. إذ تشير الإحصائيات المنشورة إلى أن حتى المحافظات الشمالية والممطرة مثل جيلان تواجه مشكلة القرى المهجورة.

ميدل ايست نيوز: أصدر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان منذ أيام أمرًا بإجراء تعداد سكاني عام وللشقق السكنية لعام 2025، في وقت يعتبر فيه الخبراء أن خلو القرى من السكان في إيران يشكل أكبر تهديد ديموغرافي للبلاد.
وفي نوفمبر 2024، أعلن عبدالكريم حسين زاده، نائب رئيس الجمهورية لشؤون تطوير المناطق الريفية والمحرومة، أن أكثر من 31 ألف قرية، أي ما يعادل نحو 50% من المناطق الريفية في إيران، أصبحت مهجورة.
وفي مقابلة حديثة مع صحيفة “اعتماد” في مارس 2025، أشار حسين زاده إلى زيادة ظاهرة العشوائيات في المدن مثل تبريز، كرمانشاه، طهران، أورمية، ومشهد، معتبراً أن التنمية غير المتوازنة للمناطق الريفية هي السبب الرئيسي في هذا الاتجاه.
ولا تقتصر ظاهرة خلو المناطق الريفية من السكان على المناطق الوسطى والجافة في إيران. إذ تشير الإحصائيات المنشورة إلى أن حتى المحافظات الشمالية والممطرة مثل جيلان تواجه مشكلة القرى المهجورة. حيث أعلن مدير مؤسسة الإسكان الثوري في جيلان أن 339 قرية في هذه المحافظة إما خالية من السكان تمامًا أو يسكنها أقل من عشر أسر.
وتأتي هذه الإحصائيات في وقت صرح فيه علي رضا ورناصري قند علي، عضو مجلس الشورى عن منطقة مسجد سليمان (جنوب إيران)، في حديث لوسائل الإعلام أن حوالي 60% من 90 ألف قرية ريفية في إيران أصبحت مهجورة لأسباب عدة مثل نقص الموارد المائي والبطالة والمشاكل المعيشية. وأضاف أن هذه الظاهرة ستستمر في الزيادة في ظل الظروف الحالية.
وتشير الدراسات المتعلقة بالتغيرات الديموغرافية في إيران إلى أن نسبة السكان الريفيين قد انخفضت من 72% في بداية القرن الـ 20 إلى أقل من 26% في نهاية القرن. ووفقًا لنتائج التعداد السكاني لعام 2016، فإن 25.9% فقط من سكان إيران يعيشون في المناطق الريفية، مما يعكس التغيرات الكبيرة في نمط الحياة في إيران.
حسب البيانات المنشورة، فإن معدل النمو السنوي للسكان الريفيين في إيران من عام 1966 إلى 2016 انخفض باستمرار، حيث وصل في عام 2016 إلى -0.68%. ويحذر الخبراء في الشؤون الديموغرافية من أنه إذا استمر الوضع على هذا النحو، فإن إيران ستصبح بحلول عام 2050 من بين العشر دول الأولى في العالم التي تشهد أكبر انخفاض سريع في السكان الريفيين.
ووفقًا لإحصائيات التعداد السكاني لعام 2016، من بين مجموع 79 مليون و926 ألف و270 نسمة في إيران، كان 20 مليون و300 ألف و625 نسمة يعيشون في المناطق الريفية.
أسباب وعواقب خلو المناطق الريفية من السكان في إيران
يُحذر الخبراء الاجتماعيون في إيران من أن إخلاء القرى والهجرة الواسعة للسكان الريفيين سيخلق تحديات جسيمة أمام التنمية المستدامة والأمن الغذائي وتقليل العشوائيات في المدن الكبرى. ومع ذلك، لم تُعرض حتى الآن حلول فعّالة للحد من هذه الظاهرة، خاصة في العقد الأخير الذي شهد تفاقم الأزمات المناخية والاقتصادية في المناطق الريفية.
علاوة على ذلك، وبخلاف التصور الشائع، فإن إخلاء القرى في إيران خلال العشرين عامًا الماضية لم يكن فقط بسبب نقص الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والغاز. إذ تشير الإحصائيات المنشورة إلى أن هناك قرى في مختلف أنحاء إيران، حتى تلك المجهزة بالبنية التحتية، أصبحت مهجورة لأسباب متعددة. ويعتقد المطلعون على القضايا الريفية أن الاعتماد التقليدي على الزراعة وتربية الحيوانات، إلى جانب التغيرات المناخية ونقص المصادر المائية وغياب السياسات الداعمة المناسبة، قد أسهمت في زيادة تكاليف الإنتاج وتدهور الاقتصاد، مما أدى إلى تفشي الفقر في تلك المناطق وسرّع من عملية الهجرة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن نقص الإمكانيات التعليمية والمشاكل الصحية وصعوبة النقل، خصوصًا في المناطق الشرقية والوسطى والغربية من إيران، قد أدت إلى تفاقم التفاوتات التنموية، مما جعل الهجرة من القرى خيارًا لا مفر منه للعديد من سكان هذه المناطق.
كما يوضح الخبراء أن تركيز الاستثمارات وفرص العمل في المدن الكبرى، إلى جانب التصور الخاطئ عن الرفاهية الحضرية، قد دفع العديد من سكان القرى للانتقال إلى أطراف المدن بحثًا عن فرص عمل أفضل. بجانب هذه العوامل، تسببت التحولات الاجتماعية والثقافية، خصوصًا بين الشباب، في تغيير أنماط الحياة وتقليل رغبتهم في الاستمرار في العمل في القرى.
من جهة أخرى، وفقًا لتقرير مركز الدراسات في مجلس الشورى الإسلامي، فإنه رغم أن سكان الريف في إيران يعدون جزءًا أساسيًا من المجتمع المنتج، إلا أن حصتهم قد تراجعت بشكل كبير بسبب الهجرة إلى المدن. يشير التقرير إلى أن متوسط الفجوة الدخلية بين المدن والقرى في الـ 15 عامًا الأخيرة قد تجاوزت 90%، وأن 90% من القرى الريفية تعاني من انعدام الأمن الغذائي، وهو ما يعد أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إخلاء العديد من المناطق الريفية في إيران.