ما الذي يمنع طهران وواشنطن من التوصل إلى اتفاق؟

تشير التقارير الأخيرة إلى زيادة تمركز الطائرات المقاتلة الأمريكية وطائرات التزويد بالوقود في المنطقة، مما يُنذر بسياسة حافة الهاوية التي تهدف إلى إجبار إيران على الخضوع.

ميدل ايست نيوز: صعّدت الولايات المتحدة مجددًا تهديداتها بالعمل العسكري ضد إيران وبرنامجها النووي. وتشير التقارير الأخيرة إلى زيادة تمركز الطائرات المقاتلة الأمريكية وطائرات التزويد بالوقود في المنطقة، مما يُنذر بسياسة حافة الهاوية التي تهدف إلى إجبار إيران على الخضوع. ومع ذلك، تنطوي هذه الاستراتيجية على مخاطر جسيمة: فبدلًا من إجبار إيران على التخلي عن طموحاتها النووية، قد تدفع طهران نحو تطوير أسلحة نووية كرادع فعال ضد التهديدات الأمريكية.

لسنوات، أصرت الجمهورية الإسلامية على أنها لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، حتى أن المرشد الأعلى آية الله خامنئي أصدر فتوى دينية تُحرّم استخدامها. ومع ذلك، ومع تزايد الضغوط الخارجية، ألمح المسؤولون الإيرانيون بشكل متزايد إلى إعادة النظر في هذا الموقف. وجاء آخر تصريح – ولعله الأبرز – من علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني السابق والمبعوث الخاص للمرشد الأعلى، الذي حذّر من أنه إذا هاجمت الولايات المتحدة أو إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية، فلن يكون أمام طهران خيار سوى السعي لامتلاك أسلحة نووية. والأهم من ذلك، أنه صاغ الأمر كمطلب للشعب الإيراني، مجادلاً بأن مخاوف الأمن القومي ستجبر الحكومة على التراجع.

في حين أن القادة الإيرانيين لطالما رفضوا الأسلحة النووية باعتبارها تتعارض مع عقيدتهم الاستراتيجية، فقد حدث تحول خطابي تدريجي ولكنه واضح في السنوات الأخيرة. جاء أول اعتراف علني كبير بهذا التحول في فبراير 2021، عندما حذر وزير الاستخبارات الإيراني آنذاك من أنه إذا “دُفعت إيران في هذا الاتجاه، فإن المسؤولية ستقع على عاتق من دفعونا، وليس على عاتق إيران نفسها”. كان هذا التصريح غير مسبوق في ذلك الوقت، حيث ربط الضغط الخارجي بشكل مباشر بإمكانية إعادة النظر في عقيدتها النووية.

ثم في مايو 2024، صرّح كمال خرازي، كبير مستشاري خامنئي ورئيس مجلس العلاقات الخارجية الإيراني، بأنه إذا تعرضت المنشآت النووية الإيرانية للهجوم أو إذا كان بقاء البلاد في خطر، “فلن يكون أمام إيران خيار سوى إعادة النظر في هذه العقيدة”.

لم يقتصر الأمر على الخطاب السياسي فحسب، بل اتجه الرأي العام الإيراني نحو التسلح النووي. فوفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة “إيران بول” في يونيو/حزيران 2024، تدعم غالبية الإيرانيين الآن امتلاك بلادهم للأسلحة النووية، في تناقض صارخ مع السنوات السابقة التي كان فيها الرأي العام أكثر انقسامًا. يُشكك هذا الدعم الشعبي المتزايد للأسلحة النووية في قدرة القيادة الإيرانية على الحفاظ على سياسة حظر الانتشار النووي إلى أجل غير مسمى في ظل التهديدات الخارجية المتزايدة.

في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حذّر نائب وزير الخارجية الإيراني، كاظم غريب آبادي، صراحةً من أنه في حال تفعيل الترويكا الأوروبية، فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، آلية “سناب باك”، وإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن إيران ستنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي. وقد أشار هذا التصريح إلى استعداد النظام لتجاوز عتبة حرجة قد تؤدي إلى برنامج أسلحة نووية لا رجعة فيه.

يجادل البعض بأن إيران قد ضعفت كثيرًا لدرجة أنها لا تستطيع السعي وراء الأسلحة النووية، مشيرين إلى تدهور نفوذها الإقليمي. يُستشهد بانهيار نظام بشار الأسد في سوريا، واغتيال قادة حماس وحزب الله، وتراجع القدرات الهجومية لقوات إيران بالوكالة، والغارات الجوية الأمريكية المتواصلة ضد الحوثيين في اليمن، كأدلة على تراجع قوة إيران الإقليمية.

علاوة على ذلك، يُسلّط النقاد الضوء على مزاعم حديثة – كتلك التي أدلى بها ستيف ويتكوف، المسؤول في إدارة ترامب، في مقابلة مع تاكر كارلسون – بأن أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية تضررت بشدة في الغارات الجوية الإسرائيلية في أبريل/نيسان 2024، مما جعل المجال الجوي الإيراني عرضة للخطر. ويخلصون إلى أن إيران تفتقر إلى القدرة أو النفوذ الاستراتيجي اللازمين لتنفيذ تهديداتها النووية.

مع ذلك، فإن هذا التحليل معيبٌ للغاية. فإذا رأت إيران نفسها ضعيفة، فسيكون احتمال سعيها إلى امتلاك أسلحة نووية أكبر، وليس أقل.

يُظهر التاريخ أن الدول التي تواجه تهديدات وجودية تلجأ أحيانًا إلى تدابير متطرفة. فإذا خلصت طهران إلى أن الردع التقليدي غير كافٍ وأن المفاوضات الدبلوماسية غير مجدية، فإن تحليل التكلفة والعائد للتسلح النووي يتغير.

تُدرك القيادة الإيرانية أن التهديدات وحدها لا تكفي لردع الضربات الجوية الأمريكية أو الإسرائيلية. فبدون أسلحة نووية، تظل إيران عُرضة لهجمات استباقية تستهدف بنيتها التحتية وقدراتها العسكرية. ومع ذلك، إذا طورت إيران ترسانة نووية – أو حتى بلغت عتبة القدرة النووية دون تجاوز الحد المسموح به – فقد تُغير جذريًا الحسابات الاستراتيجية في الشرق الأوسط. فمجرد الاعتقاد بأن إيران تمتلك رادعًا نوويًا قد يجعل التدخل العسكري ضدها أكثر خطورة على المنطقة.

هذا هو السيناريو تحديدًا الذي ينبغي على صانعي السياسات الأمريكيين تجنبه. ومع ذلك، فإن إصرار واشنطن على ممارسة أقصى قدر من الضغط، وعدم رغبتها في التفاوض على اتفاق سريع وواقعي، قد يدفع إيران إلى حافة الهاوية.

تواجه الولايات المتحدة قرارًا حاسمًا: إما مواصلة تصعيد التهديدات والمخاطرة بإجبار إيران على امتلاك أسلحة نووية، أو اتباع مسار دبلوماسي يقدم لإيران حوافز للحفاظ على موقفها غير النووي.

تشير جميع المؤشرات إلى أن إيران على وشك إعادة تقييم جذري لعقيدتها النووية. من المسؤولين الحكوميين إلى الرأي العام، يبدو التحول واضحًا: إذا لم تغير واشنطن نهجها قريبًا، فقد تتجاوز إيران العتبة النووية، ليس بدافع الطموح، بل بدافع الضرورة.

إذا كانت الولايات المتحدة تسعى حقًا إلى منع إيران من امتلاك السلاح النووي، فعليها التخلي عن مطالبها المتطرفة والانخراط في مفاوضات جادة قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة. وإلا، فإن السياسات التي تهدف إلى وقف البرنامج النووي الإيراني قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تسريعه، محولةً تهديدًا افتراضيًا إلى واقع استراتيجي.

 

رضا أسديان

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
Middle East Monitor

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى