حياد استراتيجي لدول مجلس التعاون.. لماذا تبتعد الدول العربية عن الصراع بين إيران وأميركا؟

اتسم نهج دول مجلس التعاون في السنوات الأخيرة تجاه الأزمات الإقليمية، وخاصة التوترات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة، بنوع من الحذر الاستراتيجي والتروي السياسي.

ميدل ايست نيوز: أشارت مصادر إعلامية دولية إلى تطور هام في نهج الدول العربية في منطقة الخليج. ووفقًا لتقرير “ميدل إيست آي”، أعلنت السعودية والإمارات وقطر والكويت معارضتها لاستخدام أراضيها أو مجالها الجوي في أي هجوم على إيران (سواء في شكل عمليات تزويد بالوقود أو دعم لوجستي) للولايات المتحدة.

وجاء في تقرير لموقع “دبلوماسي إيراني” أنه وفقًا للمحللين، فإن هذا القرار قد أحدث فجوة كبيرة في الخطط العسكرية الأمريكية في المنطقة. نتيجةً لهذا الموقف، قامت الولايات المتحدة بنقل قاذفاتها الاستراتيجية B-2 إلى قاعدة “دياجو غارسيا” في المحيط الهندي؛ وهي قاعدة كانت قد استخدمت سابقًا في العمليات العسكرية ضد العراق.

وفي نفس السياق، ذكرت صحيفة “الغارديان” أن ولي عهد السعودية كان قد عارض الهجوم العسكري على إيران، وسعى في فترة رئاسة دونالد ترامب إلى ثنيه عن اتخاذ خطوة عسكرية. ويتماشى هذا الموقف مع النهج الحذر الذي تتبعه دول المنطقة في تجنب المشاركة في النزاعات العسكرية. من جهة أخرى، زعمت بعض المصادر الغربية أن القادة العسكريين الإيرانيين قد قاموا بتقييم سيناريوهات استباقية ضد قاعدة “دياجو غارسيا” ردًا على هذه التحركات. ومع ذلك، يبدو أن العديد من دول المنطقة تسعى لإيجاد طرق لتجنب الدخول في صراعات مباشرة ولعب دور نشط في عملية السلام والحوار الإقليمي.

النأي بالنفس

اتسم نهج الدول العربية في منطقة الخليج في السنوات الأخيرة تجاه الأزمات الإقليمية، وخاصة التوترات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة، بنوع من الحذر الاستراتيجي والتروي السياسي، وهو أمر ازداد بعد ولاية ترامب الثانية. لم يكن هذا الموقف فقط نتيجة للاعتبارات أمنية، بل هو أيضًا نتيجة لتقاطع المصالح الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية وحتى المشروعية السياسية الداخلية لتلك الدول.

يشكل الاعتماد المتبادل الاقتصادي في المنطقة عاملًا أساسيًا في تشكيل هذه السياسة الحذرة. فعلى الرغم من الاعتماد التقليدي لاقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي على عائدات النفط، إلا أن هذه الدول أصبحت مؤخرًا شديدة التأثر بتحولات سوق الطاقة والاستثمارات عبر الحدود. أي حرب أو صراع عسكري مباشر في الخليج قد يؤدي إلى تعطل الإنتاج والتصدير وأمن الطاقة، مما سيؤثر سريعًا على الأسواق العالمية. هذه الوضعية تهدد ليس فقط إيرادات هذه الدول الحيوية، بل قد تعرض أيضًا بيئة الاستثمار الأجنبي والسياحة واستقرار الأسواق المالية الداخلية للأزمة.

من الناحية الجيوسياسية، تسعى الدول العربية إلى لعب دور نشط في هندسة الأمن الإقليمي بدلاً من اتباع سياسات أحادية الجانب. فهي تدرك تمامًا أن الانخراط المباشر في مواجهة عسكرية بين إيران وأميركا قد يحولها إلى ساحة حرب بالوكالة، مما يعرض أمنها الإقليمي للتهديد المباشر. علاوة على ذلك، فإن التجارب السابقة من الحروب المكلفة في المنطقة، مثل الحروب في العراق وسوريا واليمن، قد جعلت هذه الدول شديدة الحذر بشأن عواقب المشاركة في صراعات كبيرة في المنطقة.

من الناحية السياسية أيضًا، يسعى قادة الدول العربية للحفاظ على مشروعية سلطتهم الداخلية. فالمشاركة في حرب لا تقدم فوائد واضحة لشعوبهم قد تؤدي إلى عدم استقرار اجتماعي وزيادة السخط العام، وهو أمر لا ترغب أي حكومة في تحمله. ومن ناحية أخرى، أصبح الرأي العام في العديد من هذه الدول، خاصة بعد التحولات المتعلقة بالقضية الفلسطينية والسياسات المتناقضة للغرب، أكثر حساسية تجاه التحالف مع أميركا ضد الدول الإسلامية في المنطقة.

في الختام، لابد من الإشارة إلى التحول التدريجي في السياسة الخارجية في بعض العواصم العربية. إذ أن السعي لتخفيف التوترات والتواصل مع طهران وبدء عمليات دبلوماسية إقليمية هي جزء من استراتيجية جديدة تهدف إلى تقليل الاعتماد على القوى الكبرى خارج المنطقة وزيادة الدور المستقل في النظام الإقليمي المستقبلي. هذه التحولات تعكس نضجًا نسبيًا في السياسة الإقليمية التي تعتمد على أدوات الدبلوماسية والتوازن وبناء الإجماع، أكثر من الاعتماد على القوة العسكرية.

في المجمل، أدركت الدول العربية في المنطقة بشكل صحيح أن تكلفة الدخول في صراع بين طهران وواشنطن تتجاوز قدرة التحمل الوطنية والإقليمية، ومن ثم فإن العقلانية الاستراتيجية تتطلب منها أن تلعب دورًا مسهلًا ووسيطًا في مسار الاستقرار، وهو الدور الذي سيؤدي إلى مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا للمنطقة بأسرها.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة عشر − واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى