من الصحافة الإيرانية: تضاريس السياسة الإيرانية في ظل مفاوضات غير مباشرة بين طهران وواشنطن

ميدل ايست نيوز: شهدت أوضاع دول العالم السياسية في الأيام الماضية مسارا مثيرا وغير متوقع، لم يكن أحد وراء هذه الإثارة والتقلبات سوى شخص واحد: “ترامب”.

تمكن الأخير من التوصل إلى اتفاق مع زيلينسكي بشأن وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، علما أن بوتين لا يزال ملتزمًا الصمت في هذا الشأن مما أغضب ترامب. كما فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 25% على واردات السيارات إلى الولايات المتحدة ورسومًا أساسية بنسبة 10% على جميع دول العالم (باستثناء روسيا)، وهو ما وصفه أحد محللي صندوق النقد الدولي بأنه بمثابة قنبلة ذرية على الاقتصاد العالمي. والأهم من ذلك، هو إرسال ترامب رسالة إلى زعيم الجمهورية الإسلامية الإيرانية يدعوه إلى التفاوض أو الحرب.

لا شك، أن ما يهم الشعب الإيراني، ليس اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا ولا الحرب التعريفية التي بدأها ترامب، بل تلك الرسالة من ترامب وردها، وبالتالي يراود الجميع في إيران سؤال “ماذا سيحدث في النهاية؟” الإجابة على هذا السؤال، رغم صعوبتها، يمكن صياغتها من خلال “الطوبوغرافيا السياسية” التي قد تسهل اتخاذ القرارات بالنسبة للمحللين والمهتمين بالشأن السياسي.

ما هي “التضاريس السياسية”؟

التضاريس أو الطوبوغرافيا هي مصطلح جغرافي يشير إلى دراسة وعرض خصائص سطح الأرض من حيث الارتفاع والشكل والمظاهر الطبيعية والصناعية. وتستخدم هذه الدراسة لإعداد خرائط دقيقة للأرض، وتتضمن عرض الجبال والتلال والوديان والأنهار والمنشآت البشرية مثل الطرق والمباني.

أما “الطوبوغرافيا السياسية”، فهي تشبه الطوبوغرافيا الجغرافية، لكنها تتعلق بدراسة أوضاع السياسة من حيث نقاط القوة والضعف والعوائق الطبيعية والصناعية والطرق التي يمكن من خلالها الوصول إلى الأهداف السياسية.

ماذا تقول الطوبوغرافيا السياسية لإيران؟

من الأفضل أن نناقش الواقع السياسي في إيران، أو ما يمكن أن نسميه “الطوبوغرافيا السياسية لإيران”، من خلال تقسيمه إلى جزئين: القدرات والضعف. إذا أردنا الحديث عن قدرات إيران، بعيدًا عن القوة العسكرية التي لا تتعلق بموضوعنا، فإن الثروات المعدنية والموارد البشرية الفعالة هما ميزتان يمكن أن تلعبا دورًا في التوبوغرافيا السياسية لإيران. لكن رغم أن الثروات المعدنية الإيرانية مهمة، إلا أنه ما لم يتم الاستفادة منها بشكل جيد، تظل مجرد إمكانيات سياسية واقتصادية قابلة للاستخدام في المفاوضات. أما في حال تم استثمار هذه الثروات بشكل جيد وأصبحت مؤثرة في الاقتصاد العالمي، كان من الممكن أن تكون أداة فعالة في مقاومة العقوبات.

في الماضي، كان يُقال إن “إيران هي مفترق طرق عالمي”، وذلك بسبب وصولها السهل إلى جيرانها في الشمال والجنوب والشرق والغرب. ولكن هذه الميزة، بسبب عدم استخدامها بشكل مناسب، خاصة بسبب التوترات السياسية الداخلية والخارجية، أصبحت غير فعالة ولم تستفد منها إيران. والأكثر أهمية هو أن بعض هذه الدول المجاورة قد تمثل تهديدًا أو مخاطر لإيران، مثل أذربيجان وتركيا وتركمانستان.

على سبيل المثال، تركيا تعتبر “أبًا روحيًا” لبعض هذه الدول، كما أن المملكة العربية السعودية تلعب نفس الدور في دول الخليج. أما أفغانستان، بسبب التناقض الأيديولوجي مع إيران، فهي ليست موضع ثقة كبيرة. باكستان أيضًا، رغم إظهارها مواقف حيادية تجاه جيرانها، لا يمكن الاعتماد عليها بالكامل بسبب القضايا الداخلية مثل الانفصاليين البلوش.

هناك عاملان رئيسيان آخران في الطوبوغرافيا السياسية لإيران: القوة النووية والشعب. فيما يتعلق بالقوة النووية الإيرانية، لن نتطرق إلى هذا الموضوع هنا، سنتحدث عنه في وقت لاحق، لكن فيما يخص الشعب، من المهم النظر في الهرم السكاني الإيراني: فقد أصبحت قاعدة الهرم، التي تشير إلى عدد السكان الشباب (من 0 إلى 4 سنوات)، أضيق مقارنة بالعقود الماضية.

التحدي السكاني الأكبر لإيران هو البطالة المرتفعة بين الشباب المتعلمين، حيث يُقدر معدل البطالة بين هؤلاء الشباب بحوالي 40 إلى 50 في المئة.

يجب أن تؤخذ هذه الحقيقة المهمة في الاعتبار ضمن الطوبوغرافيا السياسية لإيران، لأن الأعداء ينظرون أكثر إلى هذه النافذة من النوافذ الأخرى. الطوبوغرافيا السياسية لإيران تحتوي على العديد من النقاط الأخرى التي لا يمكن تغطيتها في هذا المقال، ولكن ما يبرز في هذه الطوبوغرافيا هي: الاقتصاد غير المستقر، الثنائية السياسية، والشباب الغير نشط سياسيًا. تجميع هذه العوامل يجعل إيران في موقف محفوف بالمخاطر.

منصور بيطرف
صحفي إيراني