من الصحافة الإيرانية: بداية لا مفر منها للمفاوضات مع أميركا
لا يرغب دونالد ترامب، الذي يتمسك بسياسة عدم التدخل، في بدء حرب جديدة في الشرق الأوسط دون تحقيق أهدافه.

ميدل ايست نيوز: في 12 مارس الماضي، أرسل رئيس الولايات المتحدة عبر الإمارات العربية المتحدة رسالة سرية إلى المسؤولين الإيرانيين، طلب فيها منهم استئناف المفاوضات بشأن برنامجهم النووي العسكري خلال شهرين، وإلا فإن هجمات وقائية ستنفذ ضد منشآتهم النووية. لا يزال دونالد ترامب يواصل سياسة “الضغط الأقصى” التي بدأها في ولايته الرئاسية الأولى. وفي هذا السياق، تم فرض عقوبات جديدة على صناعة النفط الإيرانية، التي تُعد آخر قطاع مربح في الاقتصاد الإيراني، خاصة من خلال التهرب السري من العقوبات الاقتصادية بمساعدة الصين.
في يوم السبت 15 مارس، شنت واشنطن هجومًا عسكريًا واسعًا في اليمن ردًا على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. تسببت هذه الهجمات في تغيير شركات الشحن مسارها إلى رأس الرجاء الصالح، مما أدى إلى زيادة تكاليف النقل وتأخيرات ملحوظة، مما أثر بطبيعة الحال على التجارة الدولية. وبينما تنكر إيران دعمها للمجموعة المسلحة اليمنية وتدعي أن الحوثيين لديهم برنامج مستقل، حذرت واشنطن المسؤولين الإيرانيين من أنها ستعتبرهم مسؤولين في حال حدوث هجمات مستقبلية.
إلى ذلك، أكد ستيف ويتكاف، المبعوث الخاص للولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط، في مقابلة مع الصحفي الشهير تاكر كارلسن، أن الرئيس الأمريكي يفضل التفاوض على الهجمات الوقائية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وأوضح ملخصًا لرسالة دونالد ترامب إلى آية الله خامنئي قائلاً: “ترامب يقول: أنا رئيس السلام. هذا ما أريد. لا يوجد سبب للعمل العسكري. يجب أن نتحدث.” كما كشف أن المفاوضات مع طهران مستمرة عبر قنوات غير مباشرة وبلدان متعددة.
ولا يرغب دونالد ترامب، الذي يتمسك بسياسة عدم التدخل، في بدء حرب جديدة في الشرق الأوسط دون تحقيق أهدافه. حكومته تدرك تمامًا أن بكين هي المنافس الرئيسي للولايات المتحدة الآن. من خلال تجديد العلاقات الدبلوماسية مع إيران، تأمل واشنطن في إبعاد إيران عن دائرة الصين. من جانبها، أقامت طهران علاقات اقتصادية وثيقة مع بكين لتعويض عزلتها الدولية، إلى درجة أن الصين أصبحت الآن الشريك التجاري الأول وأكبر مستورد للنفط الإيراني. وبما أن إيران تمتلك أحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم، يعتزم دونالد ترامب التأثير على مزيج الطاقة في الصين ومنع بكين من استغلال الموارد الإيرانية، خاصة في حقل الغاز بارس الجنوبي.
أما في إيران، فإن الوضع غامض تمامًا. حيث ذكرت وكالة إرنا الحكومية أن وزير الخارجية الإيراني أكد بمناسبة نوروز في 20 مارس “الرغبة الدائمة لإيران في الحوار والمفاوضات”، شريطة أن تكون المفاوضات على أساس المساواة وتضمن مصالح الشعب الإيراني.
وفي 21 مارس، انتقد قائد الثورة بشدة استراتيجية الرئيس ترامب ووصفها بـ “العديمة الجدوى”. وأضاف “إذا ارتكبوا أي خطوة عدائية ضد الأمة الإيرانية، فسيحصلون على رد شديد”. لا يزال قائد الثورة يحمل في ذاكرته الذكريات المريرة لخروج ترامب الأحادي من الاتفاق النووي في عام 2018 واغتيال الجنرال قاسم سليماني في عام 2021 من قبل حكومته.
بالإضافة إلى ذلك، قام المسؤولون الإيرانيون مؤخرًا بنقل منظومات صواريخ إلى الجزر الاستراتيجية طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. هذه الجزر التي يراود الإمارات العربية المتحدة حلم ملكيتها، تقع بالقرب من الخليج، الذي يمر عبره نحو 30% من إمدادات النفط العالمية. يبدو أن إيران تهدف إلى إظهار عزيمتها. ولكن يبقى السؤال: هل هذه مناورة سياسية لزيادة قوة التفاوض، أم عرض حقيقي للقوة العسكرية؟
وتواجه الساحة السياسية في إيران انقسامات عميقة. من جهة، هناك من لا يثقون في وعود أمريكا ويعتبرون السلاح النووي هو السبيل الوحيد لضمان أمن البلاد، ومن جهة أخرى، هناك من يعتقدون أن الضغوط الاقتصادية قد زادت من الاستياء العام وأن الهجمات على المواقع النووية الإيرانية قد تدفع البلاد إلى أزمة أعمق من الوضع الحالي. في الوقت الراهن، تواجه إيران أزمة اقتصادية غير مسبوقة تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، مع تضخم مرعب يقارب 35%، وتراجع تاريخي في قيمة العملة الوطنية، وارتفاع كبير في معدلات البطالة بين الشباب المحبطين. لم يكن الوضع أبدًا بهذه الدرجة من عدم اليقين، حيث يرسل الطرفان بالتناوب إشارات متناقضة. في أسوأ الأحوال، قد تؤدي هذه التوترات إلى نزاع عنيف، وفي أفضل الأحوال إلى اتفاق دبلوماسي.
ختاما، لا تزال هناك العديد من الأسئلة: إلى أي مدى سيذهب الرئيس ترامب لتحقيق أهدافه؟ وكم من الوقت ستستمر إيران في اتباع سياسات متشددة؟ الأشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة.
اردوان امیر اصلاني
صحفي إيراني