وفد أميركي في كابول.. هل تسعى واشنطن لقيادة جولة جديدة من ألعاب الدم والنار في أفغانستان؟
يسعى الوفد الأمريكي في كابول لتحذير طالبان من الأخطاء التي قد ترتكبها وتحذيرها من التقارب المفرط مع المنطقة.

ميدل ايست نيوز: زار وفد أمريكي يتألف من مسؤولين استخباراتيين ودبلوماسيين بقيادة “زلمي خليل زاد” كابول وأجرى محادثات طويلة مع أمير خان متقي، وزير خارجية طالبان، حول مجموعة من القضايا المعقدة والملحقات الاستخباراتية. وعلى الرغم من أن تفاصيل هذه المحادثات لا تزال غير واضحة، إلا أن الزيارة لا يمكن تفسيرها بمعزل عن الأجندات الأمنية والاستخباراتية.
تعتبر الزيارة مثيرة للاهتمام لأنها تُعلن للمرة الأولى، في حين كانت التفاعلات الاستخباراتية الأمريكية مع طالبان تتم سابقًا عبر وساطة من باكستان وقطر والإمارات. وفي هذا السياق، ناقش علي ظاهر خلال هذه الزيارة مجموعة من القضايا المختلفة، التي سيتم تحليل تفاصيلها المحتملة في هذه المقالة.
بالمجمل، تعتبر طالبان جزءًا رئيسيًا في مشروع زعزعة استقرار المنطقة، وقد حققت حتى الآن نجاحات ملحوظة في قيادة هذه اللعبة الأمنية الخطرة. من بين هذه النجاحات الهجمات على حفلة موسيقية في روسيا، والهجوم على إيران، وتعطيل خطط الصين في باكستان من خلال زيادة الهجمات الإرهابية، بالإضافة إلى دعم الجماعات المتشددة في هذا البلد. كما يمكن تحليل زعزعة استقرار خطط الصين في آسيا الوسطى على أنها جزء من استراتيجية طالبان لزعزعة استقرار المنطقة.
في الوقت نفسه، من الملاحظ أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد انتقد مرارًا انسحاب الولايات المتحدة من قاعدة بغرام العسكرية، واعتبر استعادتها من أولويات المنافسة مع الصين في المنطقة. ومن هنا، فإن الحفاظ على نظام طالبان واستخدام قدراته التخريبية في زعزعة استقرار المنطقة أصبح أولوية للأجندات الأمنية الأمريكية. لذلك، فإن زيارة الوفد الدبلوماسي والاستخباراتي الأمريكي إلى أفغانستان وإجراء محادثات جدية مع طالبان يُعتبر محاولة للسيطرة على هذه القاعدة، وإرسال تحذير بشأن التقارب مع المنطقة، فضلاً عن إرسال رسالة حول مستقبل المنطقة التي لا يمكن الاعتماد عليها بالنسبة لطالبان.
مع السياسات الحالية التي تنتهجها طالبان، مثل العداء للعلم والمعرفة وفرض الطالبانية على أفغانستان، لا يبدو أن هناك أي بصيص أمل لتحرير المنطقة من آفة الإرهاب. حتى لو كان هناك إرادة في إطار اتفاقية شانغهاي لمواجهة التحديات الأمنية الناتجة عن أفغانستان، فإن ذلك سيواجه صعوبات كبيرة. هذا الواقع يظهر ببساطة القاعدة الأساسية التي تعتمد عليها أمريكا في سياساتها. بالتالي، فإن سياسات طالبان الحالية تجعل من السهل على أمريكا التعامل مع الوضع في أفغانستان بطريقة أكثر فاعلية وذات تأثير أكبر.
ومن المتوقع أن تكون زيارة الوفد الأمريكي إلى طالبان بمثابة إرسال رسالة تحذيرية حول الابتعاد عن الصين وتقييد جميع المجالات التي قد تسهم في تعزيز موقع الصين في أفغانستان، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الأمني.
في سياق هذه التحليلات، يبدو أن الوفد الأمريكي قد وصل إلى كابول للتحذير والتشاور بشأن حل التوترات بين طالبان وباكستان، التي إذا استمرت ستؤدي إلى تعطيل جميع الخطط الأمنية الأمريكية في أفغانستان. إذ أن وجود هذه التحديات في العلاقات بين جزء من طالبان وباكستان يمنح إيران وروسيا والصين فرصة للاستفادة من هذه الخلافات لتحقيق أجنداتها الأمنية والمعادية للولايات المتحدة.
بالمجمل، زيارة الوفد الأمريكي إلى كابول تحت حكم طالبان، وهو نظام يضم أغلب أعضائه في قائمة المطلوبين من قبل مجلس الأمن ومنظمات الاستخبارات الغربية، لا يمكن أن تقتصر على مجرد محادثات دبلوماسية. بل من المؤكد أنها تتضمن مجموعة من الأنشطة التي تقتصر على دائرة الألعاب الاستخباراتية والأمنية الأمريكية. بالنسبة لأمريكا، لم يعد من ضمن أولوياتها وجود أو إقامة نظام قائم على القيم الديمقراطية والشرعية في المجتمع الدولي. وبالتالي، يمكن تفسير هذه الزيارة على أنها جزء من تنفيذ أجندات استخباراتية وأمنية في إطار استراتيجية التنافس الإقليمي والدولي.
يسعى الوفد الأمريكي في كابول لتحذير طالبان من الأخطاء التي قد ترتكبها وتحذيرها من التقارب المفرط مع المنطقة. فواشنطن ترغب في إرسال رسالة إلى المنطقة مفادها أن طالبان ليسوا مالكي زمام الأمور وأن اللعب في جغرافيا أفغانستان سيكون مليئًا بالصعوبات.
عبدالناصر نور زاد
استاذ سابق في جامعة كابول