تاريخ من المفاوضات الأميركية الإيرانية منذ 1979
في عهد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يعود التواصل الأميركي معها إلى بُعيد تشكيل الجمهورية وقبل الحرب الإيرانية العراقية.

ميدل ايست نيوز: بعد أسابيع من التهديدات والتحشيد العسكري في المنطقة، فجّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء الاثنين الماضي، قنبلةً بحديثه عن مفاوضات مباشرة مع إيران واجتماع “كبير” مرتقب السبت المقبل، وجاء حديثه بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرافض للمسار الدبلوماسي مع إيران، والمؤيّد للتصعيد والخيار العسكري ضدّها، فيما ظلّت طهران تعلنُ رفضها أيّ تفاوض مباشر مع الإدارة الأميركية. ولم تمضِ ساعات قليلة عن الإعلان عن المفاوضات الأميركية الإيرانية حتّى أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، صحة كلام ترامب عن مفاوضات يوم السبت المقبل، لكنّه في الوقت نفسه قال إنّ هذه المفاوضات ستُعقد على نحوٍ غير مباشر.
في الأثناء، ذكرت وكالة نور نيوز الإيرانية المقرّبة من الأمين السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، أنّ عراقجي وستيف ويتكوف المبعوث الخاص لترامب سيقودان المفاوضات الأميركية الإيرانية في مسقط بوساطة وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، كما أكدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني، في مؤتمر صحافي أمس الثلاثاء، أن المفاوضات الأميركية الإيرانية في عُمان ستكون غير مباشرة، مضيفة أن “ما يهمّنا في هذه المفاوضات هي المصالح القومية والمطالب الهامة للشعب الإيراني”، مشيرة إلى أن “المزيد من التفاصيل ستتضح خلال المفاوضات وقبلها لا يمكن الحديث عنها”، وقائلة “إنّنا بوصفنا طرفاً مفاوضاً نبحث من منطلق رؤية متساوية عن مفاوضات عاقلة تؤمن مصالحنا وتحسن أوضاع الناس”.
وجهات متباعدة حول المفاوضات الأميركية الإيرانية
وعن المفاوضات الأميركية الإيرانية يقول الدبلوماسي الإيراني السابق، عبد الرضا فرجي راد، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنّ هناك “مسافة بعيدة بين ما قاله ترامب عن مفاوضات مباشرة، وما تتحدث عنه إيران حول مفاوضات غير مباشرة”، مضيفاً أن الرئيس الأميركي يريد إجراء مفاوضات مباشرة “لكن إذا ما نظرنا بعناية لتصريحات المسؤولين الإيرانيين لوجدنا أنهم يتحدثون عن إمكانية التفاوض مباشرةً إذا كانت المفاوضات متساوية واقتصرت على الملف النووي”.
ويرجح فرجي راد تبادل رسائل أخيراً بين طهران وواشنطن عبر الوسطاء، فضلاً عن رسالة ترامب للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي والرسالة الجوابية الإيرانية، قائلاً إنّ هذه الرسائل عبر الجهات الوسطية على الأغلب دارت حول إمكانية تحويل المفاوضات غير المباشرة إلى مباشرة، وتقتصر على الملف النووي ولإزالة المخاوف من إنتاج الأسلحة النووية.
ويقول فرجي راد إنّه “متفائل” حول مستقبل المفاوضات الأميركية الإيرانية التي ستنطلق السبت المقبل بين طهران وواشنطن في مسقط، مضيفاً أن ترامب عيّن مفاوضاً في هذه المفاوضات “سبق أن رفض التصعيد والمواجهة، وأيّد التوصل إلى تفاهم بين إيران وأميركا”، لافتاً إلى أن “النقطة المهمّة الأخرى أيضاً أن الدكتور عراقجي لديه تجربة التفاوض مع الطرف الأميركي في المفاوضات المنتهية إلى الاتفاق النووي (عام 2015)”، ويوضح أن “الطرفَين في ظل عدم رغبتهما في الحرب والمواجهة يمكنهما التوصل إلى اتفاق في المفاوضات إذا ركز الطرف الأميركي على الملف النووي فحسب”.
سجل المفاوضات
من جهته، يقول المحلل الإيراني الإصلاحي داود حشمتي، لـ”العربي الجديد”، إن أي عملية تقييم للعلاقات الإيرانية الأميركية منذ قبل الثورة الإسلامية عام 1979 عموماً يجب أن تنطلق من افتراضين؛ الأول أن السياسة الأميركية مبنية على أساس “النفعية” التي تبحث عن الحد الأقصى من النفع والمصلحة، وليس مجرد ربح، والافتراض الثاني أنّ التفاوض لا يعني بالضرورة صفقة، “لكن للأسف مع بدء أي تفاوض، يفسّره البعض في إيران اتفاقاً، لكن العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأميركا مليئة بالمفاوضات الفاشلة”، ويضيف حشمتي أن حكومة محمد مصدق (1951 ـ 1953) توجّهت نحو أميركا لملء فراغ انسحاب شركة النفط البريطانية بعد تأميم النفط الإيراني، “فأميركا وافقت على ذلك، لكنّ الانقلاب (على حكومة مصدق) كان أكثر نفعاً لهم” من العلاقة معها، “ثم لاحقاً تخلوا أيضاً عن الشاه (محمد رضا بهلوي) وطردوه من أميركا”.
بداية التفاوض مع الجمهورية الإسلامية
في عهد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يعود التواصل الأميركي معها إلى بُعيد تشكيل الجمهورية وقبل الحرب الإيرانية العراقية، “إذ جاء الأميركيون إلى إيران وعرضوا وثائق على الحكومة المؤقتة أظهرت نيّات (الرئيس العراقي) صدام (حسين) بالتخطيط لهجوم على إيران، وذلك بهدف الحفاظ على موقعهم في داخل البلد من خلال تقديم هذه المعلومات”، وفق حشمتي، مشيراً إلى أنه بعد ذلك سيطر الثوار الإيرانيون على السفارة الأميركية واحتلوها “ثم أجريت جولة مفاوضات مباشرة مع أميركا في الجزائر توّجت باتفاق” للإفراج عن الرهائن الأميركيين البالغ عددهم 52 في السفارة عام 1981 بعد 444 يوماً من الاعتقال.
ثم توصل الأميركيون لاتفاق مع إيران لتزويدها بالسلاح عبر مفاوضات في خضم الحرب الإيرانية العراقية، أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، حسب حشمتي، الذي يقول إنّ ذلك حصل بعد أن تحوّلت الحرب إلى حرب استنزاف وكانت المقاربة الأميركية آنذاك أن “نفعها الأقصى ألّا ينتصر صدام حسين أيضاً في هذه الحرب طالما إيران لا تنتصر فيها أيضاً”، لافتاً إلى أن المفاوضات الأميركية الإيرانية اشتهرت بمفاوضات ماكفرلين، على اسم مستشار الأمن القومي الأميركي آنذاك روبرت ماكفرلين الذي زار إيران سراً، ويضيف الخبير الإيراني أن الإسرائيليين أفشلوا هذه المفاوضات فـ”كان النفع الأميركي الأقصى هو خوض اشتباكات مباشرة مع إيران في نهاية الحرب عبر استهداف طائرة ركاب إيرانية وناقلات نفط”.
ويقول حشمتي لـ”العربي الجديد” إن تسعينيات القرن الماضي شهدت محاولتَين لبدء مفاوضات إيرانية أميركية، لكنّهما فشلتا في تحقيق نتائج، إذ دخل الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني (1989 ـ 1997) في تفاوض مع جورج بوش الأب بشأن الرهائن الأميركيين العسكريين في لبنان آنذاك، فضلاً عن مباحثات أيام حكومة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي (1977 ـ 2005) اقتصرت على نواب إيرانيين وأميركيين، ويضيف أن خاتمي كان يمكنه وفق استراتيجيته القائمة على “إزالة التوتر” في العلاقات الخارجية أن يخوض مفاوضات من موقع متساوٍ مع أميركا، لكنّها بقيت على مستوى مشرّعين من الطرفَين.
المفاوضات الأميركية الإيرانية حول أفغانستان والعراق
يشير حشمتي أيضاً إلى جولات تفاوضية جرت بين إيران والولايات المتحدة بشأن أفغانستان والعراق بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 “توصلت إلى اتفاقيات أبعدت شبح الحرب عن إيران”، وبشأن هذه المفاوضات، كشف وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، في برنامج حواري على منصة “كلوب هاوس” في يونيو/حزيران 2023، عن أنه أجرى مفاوضات مباشرة مع الأميركيين في ملفَي أفغانستان والعراق قبل عقدين من الزمن، قائلاً إنه أجرى مفاوضات مع الأميركيين بشأن أفغانستان خلال المشاركة في مؤتمر بون في ألمانيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2001، الذي ركز على اختيار نظام بديل عن “طالبان” بعد الحرب الأميركية على أفغانستان.
وقال ظريف إنّه كان على تواصل وتنسيق وثيق ومباشر مع قائد “فيلق القدس” السابق الجنرال قاسم سليماني بشأن مفاوضاته مع الأميركيين حول أفغانستان والعراق، مضيفاً أنه لولا دعم الأخير “لما تمكّنت إيران من لعب دور كبير” في المفاوضات الأفغانية التي أتت بنظام بديل لـ”طالبان” عام 2001، كما كشف أنه أجرى ثلاث جولات من التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن العراق، جولتان قبل الحرب الأميركية عليها عام 2003، وجولة واحدة بعد الحرب، مشيراً إلى أنه أجرى هذه المفاوضات كلّها “بإذن” من السلطات الإيرانية العليا، وأنه كان يرفع التقارير بشأنها إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، وأضاف أنه كان ينسّق مفاوضاته مع الأميركيين بشأن الملفَين مع سليماني، لافتاً إلى أن صداقته مع سليماني تشكّلت خلال تلك المفاوضات بشأن أفغانستان والعراق.
مفاوضات نووية مباشرة
كان الرئيس الإيراني المحافظ الأسبق محمود أحمدي نجاد يرغب بإنهاء القطيعة مع واشنطن وتسجيل “هذا الإنجاز” باسمه، لكنّه لم يفلح، وعلى الرغم من ذلك، يقول حشمتي في حديثه لـ”العربي الجديد” إنّ مفاوضات مباشرة سرية بدأت عام 2012 في سلطنة عُمان، من دون علم أحمدي نجاد ودوره فيها، ثم استمرت هذه المفاوضات مع وصول حسن روحاني إلى السلطة التنفيذية عام 2013 وتوّجت لاحقاً عام 2015 بالاتفاق النووي.
ولأول مرة منذ 1979، جرت مكالمة هاتفية بين رئيس أميركي ونظيره الإيراني، لينكسر المزيد من الحواجز بين البلدَين، إذ أجرى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإيراني حسن روحاني عام 2013 أثناء توجّه الأخير إلى مطار نيويورك للعودة إلى طهران بعد مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فضلاً عن جولات عديدة من المفاوضات المباشرة بين وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وأدت تلك المفاوضات إلى إبرام الاتفاق النووي عام 2015.
يقول ظريف خلال برنامجه الحواري في “كلوب هاوس” عام 2023 إنّ أحمدي نجاد وأمين مجلس الأمن القومي الإيراني الأسبق سعيد جليلي، كانا يعارضان هذه المفاوضات مع الأميركيين، لكن المفاوضات بدأت بـ”تصريح من القائد” علي خامنئي، وأضاف أن مفاوضات مسقط السرية مع الأميركيين عام 2012 “قد كسرت الحاجز”، وأجراها من الجانب الإيراني وزير الخارجية الأسبق علي أكبر صالحي “على الرغم من معارضة شديدة” من جليلي وأحمدي نجاد آنذاك، وشرح أن الجولة الثانية من المفاوضات مع الأميركيين جرت آنذاك بين نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الأوروبية والأميركية علي أصغر حاجي، ونائب وزير الخارجية الأميركي ويليام برنز.
المفاوضات مع إدارة جو بايدن
بعد تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطة خلال ولايته الأولى عام 2016، التي تزامنت مع بدء تنفيذ الاتفاق النووي، رفضت طهران دعواته للتفاوض حول الصفقة النووية المبرمة مع إدارة أوباما، وسط تهديدات مستمرة لترامب بالانسحاب منها، قبل أن ينفذ الانسحاب في مايو/أيار 2018، ومع تولي جو بايدن السلطة في واشنطن عام 2021، ودعمه إحياء الاتفاق النووي، لأنه كان من مهندسيه إبّان حكم أوباما، انطلقت مفاوضات لتحقيق هذا الهدف في إطار مجموعة 1+4، لكنّ طهران رفضت الدخول في حوار مباشر مع الإدارة الأميركية. ويقول داود حشمتي لـ”العربي الجديد” إنّ الطرفين اقتربا من الاتفاق في ثلاث مراحل زمنية من المفاوضات خلال شتاء 2021 وشتاء 2022 وصيف 2023 (في الدوحة) “لكنْ لم يحصل ذلك في نهاية المطاف”، ويوضح أن المفاوضات تنطلق مع إدارة ترامب الثانية في هذه الظروف و”يجب التذكير بأنّه ليست المفاوضات جميعُها تنتهي إلى اتفاق”.