ما دلالات اختيار ستيف ويتكوف للتفاوض بين طهران وواشنطن؟

في سياق إقليمي متوتر ومناخ دولي يسوده عدم اليقين، برزت مؤخرًا تحركات دبلوماسية دقيقة تشير إلى إمكانية فتح نافذة جديدة في العلاقات الأمريكية-الإيرانية.

ميدل ايست نيوز: في سياق إقليمي متوتر ومناخ دولي يسوده عدم اليقين، برزت مؤخرًا تحركات دبلوماسية دقيقة تشير إلى إمكانية فتح نافذة جديدة في العلاقات الأمريكية-الإيرانية. من بين هذه التحركات، يلفت النظر اختيار واشنطن لشخصية اقتصادية غير تقليدية، ستيفن ويتكوف، كمبعوث في ملف الاستثمار والتفاوض مع إيران، ما يشير إلى تحوّل ملموس في استراتيجية التفاوض الأمريكية. هذا الاختيار، الذي يبتعد عن الأطر الأمنية واللغات العدائية التقليدية، يبعث برسائل معقدة تعكس مقاربة أكثر براغماتية وعقلانية، لا سيما في ظل الإدارة الترامبية التي كثيرًا ما استخدمت أدوات الضغط القصوى.

في المقابل، جاء الرد الإيراني بتسمية عباس عراقجي، أحد أبرز مهندسي الاتفاق النووي، في خطوة تحمل دلالة على رغبة طهران في الحفاظ على مهنية الحوار دون التنازل عن ثوابتها. عند تقاطع هذين المسارين – الاقتصادي والدبلوماسي – تظهر إشارات يمكن تحليلها ضمن نموذج “اللعبة المتكررة”، حيث لا يُقاس النجاح بجولة واحدة، بل بتراكم الإشارات وبناء الثقة عبر الزمن.

من هو ستيفن ويتكاف ولماذا تم اختياره؟

ستيفن ويتكوف هو شخصية ذات خلفية اقتصادية ومستشار في سياسة التجارة، ومن الأشخاص المقربين من دائرة ترامب في مجال الاستثمارات الأجنبية. على عكس العديد من المبعوثين الأمريكيين السابقين (مثل بريان هوك أو روبرت مالي)، ويتكوف ليس لديه ملف أمني، ولا تاريخ من التهديدات أو المواقف المتشددة ضد إيران. يتحدث بلغة السوق، لا بلغة التهديد.

إشارة متعددة الطبقات من ترامب

اختيار ويتكوف ينقل عدة رسائل رئيسية:

  • تغيير لغة المفاوضات من الأمن إلى الاقتصاد: هذا يدل على أن ترامب يسعى إلى حوار بناء ذو فائدة للطرفين، مع التركيز على تقليص العقوبات، وليس فقط إجبار إيران على التراجع.
  • التفاوض من أجل اتفاق: اختيار شخصية متخصصة (وليس إعلامية أو أيديولوجية) يظهر أن إدارة ترامب تهدف إلى مفاوضات حقيقية وصفقة، وليس مجرد عرض دبلوماسي.
  • التخطيط لفتح المجال بشكل منظم: خلفية ويتكوف في مجال الأصول الدولية تعزز الاحتمال بأن أمريكا قد تعرض تحرير محدود للموارد المالية الإيرانية أو فتح قنوات مصرفية مستهدفة – ليس من باب تقديم تنازلات، بل كجزء من لعبة متعددة المراحل.

اختيار إيران لعباس عراقجي

اختيار إيران لعباس عراقجي هو نوع من التوازن. فعراقجي، ذو الخبرة العالية في الاتفاق النووي والخبرة في الدبلوماسية الفنية، يعد رمزًا للعقلانية في جهاز الدبلوماسية الإيرانية. حضوره لا يرفع فقط من وزن المحادثات، بل يعد أيضًا علامة على رغبة طهران في السيطرة على التوترات دون التراجع عن الخطوط الحمراء النووية.

من منظور نظرية الألعاب وفي إطار نموذج اللعبة المتكررة (Iterated Game) إرسال مثل هذه الإشارات – أي اختيار ممثلين ذوي صفات ولغة مختلفة – يمكن أن يكون المرحلة الأولى لبناء الثقة تدريجيًا. في الألعاب ذات المعلومات الناقصة، يسعى الطرفان لاكتشاف نية الآخر. يبدو أن اختيار ويتكوف من قبل أمريكا يحمل هذه الرسالة: “إذا كنت مستعدًا لصفقة عادلة، فنحن أيضًا مستعدون”. بشكل عام، فإن النهج الأخير ليس مجرد حادث دبلوماسي، بل حركة محسوبة في رقعة الشطرنج الجيوسياسية للمنطقة. إذا فككت طهران هذه الإشارة بشكل صحيح، يمكن أن يكون يوم السبت ليس نقطة النهاية، بل بداية هادئة لاحتواء أزمة لا تنتهي.

فردين قريشي
أستاذ في جامعة طهران

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى