استراتيجية ترامب تجاه طهران: هل نحن على موعد مع مفاوضات مثمرة؟

إن تجارب سابقة في العلاقة بين إيران وأميركا أظهرت أن المواجهة العسكرية ليست حتمية. فرغم التصعيد والتهديدات، حافظ الطرفان غالبًا على درجة من ضبط النفس، ما يفتح الباب نظريًا أمام احتواء التوتر.

ميدل ايست نيوز: مثّل تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة نقطة تحول ديناميكية في المشهد العالمي. ففي غضون أقل من شهرين من توليه المنصب، ظهرت مؤشرات على استعداد إدارته لاتخاذ خطوات سريعة وحاسمة بشأن عدد من القضايا الدولية الملحة. من بين هذه القضايا، برز الملف الإيراني كأحد أبرز التحديات، في ظل التقدم المستمر في البرنامج النووي الإيراني خلال السنوات الخمس الماضية وتصاعد التوترات الإقليمية واقتراب موعد انتهاء الاتفاق النووي، إلى جانب التهديدات المحتملة بشنّ هجوم استباقي من قبل إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية.

استراتيجية “الجزرة والعصا” تجاه إيران

في هذا السياق، بدت استراتيجية إدارة ترامب تجاه طهران قائمة على مزيج من الإغراءات والضغوط القصوى. فقد بادر ترامب بإرسال رسالة مباشرة إلى المرشد الأعلى في إيران، تضمنت عرضًا للحوار. غير أنّه في الوقت ذاته، واصل سياسة الضغط الأقصى عبر استهداف مصالح جماعة أنصار الله في اليمن، في رسالة واضحة لطهران مفادها أنّ العقوبات الاقتصادية ستستمر ما لم تتجاوب.

وبحسب مصادر إيرانية مطلعة، فقد تضمّنت الرسالة إشارة إلى “تصفير” نسبة تخصيب اليورانيوم، دون التطرّق بتفصيل إلى النفوذ الإقليمي لإيران. ووفق المصادر ذاتها، ركزت الرسالة على جوانب تقنية تتصل بالتسلح النووي. غير أن تقارير أخرى تحدّثت عن مطالب أميركية أوسع، تشمل تفكيك البنية التحتية النووية بالكامل، ووقف الدعم لحزب الله اللبناني وأنصار الله اليمنية والحدّ من قدرات الحشد الشعبي في العراق، إضافة إلى فرض قيود على برنامجَي الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.

وقد ردّت إيران على الرسالة بطريقة تعكس استعدادها للدخول في مفاوضات غير مباشرة.

خيارات غير مُرضية أمام طهران

تواجه طهران خيارات صعبة، إذ لا يلقى أي من المسارين – سواء التفاوض بشأن الملف النووي تحت سقف شروط صارمة كتصفير التخصيب، أو الدخول في حوار شامل حول النفوذ الإقليمي والبرنامج الصاروخي – قبولًا لدى المرشد الأعلى الإيراني وقيادة البلاد. فحتى الآن، يرفض المرشد الأعلى أي تفاوض موسّع يشمل البرنامج الصاروخي والسياسات الإقليمية الإيرانية، إذ لا تعني المحادثات التي ستقعد السبت في سلطنة عمان القبول الإيراني على الشروط الأميركية المقبلة أو الوصول إلى وجهة نظر ترضي الطرفين.

وتؤكد الحكومة الإيرانية رفضها المطلق لفكرة تفكيك برنامجها النووي، باعتباره ضرورة استراتيجية للأمن القومي. فامتلاك تكنولوجيا نووية، حتى بدون التسلح الكامل، يُعدّ عامل ردع رئيسيًا في حسابات الدفاع الإيراني. ويُذكر أن نجاح مفاوضات الاتفاق النووي عام 2015 جاء نتيجة تخلي إدارة أوباما عن مطلب تصفير التخصيب.

كما يُعد البرنامج النووي ورقة تفاوض فعّالة لإيران في السياسة الدولية، خصوصًا في ظل تراجع نفوذها الإقليمي خلال السنوات الأخيرة. ومن هذا المنطلق، فإنّ القبول بتفكيك المنشآت النووية قد يُنظر إليه داخل إيران كخيار “انتحاري”.

لا تسوية في الأفق القريب

تعقيدات المشهد تشير إلى أن احتمالية التوصل إلى حل دبلوماسي بين طهران وواشنطن في ظل إدارة ترامب الثانية تبدو ضئيلة. إذ لا تزال واشنطن تتمسك بموقفها الحاسم: إما الامتثال الكامل أو مواجهة التصعيد والعقوبات وربما تدخل عسكري. أما إيران، فترفض بشدة مبدأ التفاوض تحت الضغط أو حول خطوطها الحمراء.

مع ذلك، فإن تجارب سابقة في العلاقة بين البلدين أظهرت أن المواجهة العسكرية ليست حتمية. فرغم التصعيد والتهديدات، حافظ الطرفان غالبًا على درجة من ضبط النفس، ما يفتح الباب نظريًا أمام احتواء التوتر.

مؤشرات على استعداد لمقاربة وسطية

برغم الخطاب المتشدد من كلا الجانبين، برزت بعض الإشارات التي توحي بإمكانية التوصل إلى تسوية. فقد أشار “ستيف ويتكوف“، المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، والذي سيتوجه يوم السبت المقبل إلى سلطنة للتفاوض مع طهران، إلى ضرورة تبني نهج متوازن في التعامل مع إيران، مشددًا على أهمية الثقة والاحترام المتبادل كركائز للدبلوماسية. وأكد خلال حوار متلفز، أن فرض الشروط القصوى على طهران في ظل انعدام الثقة المتبادلة قد لا يثمر نتائج واقعية، مضيفًا أن التهديد الذي كانت تشكّله حماس وحزب الله تراجع، مما يتيح التركيز على الملف النووي بوصفه أولوية عاجلة.

المواجهة غير مستحبة من الجانبين

يعلم الطرفان جيدًا أن الفشل في التوصل إلى تسوية في مفاوضات السبت سيترتب عليه كلفة باهظة. فبالنسبة لإيران، تتراوح التبعات بين تشديد العقوبات الاقتصادية وما قد يصاحبها من اضطرابات داخلية، وصولًا إلى احتمالية استهداف منشآتها النووية بضربات عسكرية، مما يشكّل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإنّ عجزها عن كبح جماح البرنامج النووي الإيراني قد يدفع طهران إلى السعي العلني لامتلاك السلاح النووي، بهدف تعزيز الردع. وهو ما سيضع واشنطن أمام خيارين صعبين: إما التدخل العسكري بالتعاون مع إسرائيل، أو التعايش مع إيران نووية – وكلا الخيارين يحمل تكلفة استراتيجية عالية.

نحو إدارة التوتر لا حسمه

تُرجح الحسابات الاستراتيجية أن تمضي إيران والولايات المتحدة في إدارة التوتر بدلًا من حسمه عبر المواجهة أو التفاهم الشامل. فكل طرف يدرك محدودية قدرته على تحمل سيناريوهات التصعيد الأقصى. وعليه، قد يكون المسار الواقعي هو استمرار التوتر المشروط بضوابط والمسيطر عليه وقف ضمانات معينة، بانتظار تغيّرات سياسية أو إقليمية تتيح فرصًا جديدة للدبلوماسية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − عشرة =

زر الذهاب إلى الأعلى