المفاوضات الإيرانية الأميركية في عُمان: مسار هش ومعقد ومتشابك

تحیط بالمفاوضات التي من المقرر أن تبدأ يوم السبت بين إيران والولايات المتحدة في مسقط حدود زمنية وتأثيرات نجاحها أو فشلها تتجاوز التصورات.

ميدل ايست نيوز: تحیط بالمفاوضات التي من المقرر أن تبدأ يوم السبت بين إيران والولايات المتحدة في مسقط حدود زمنية وتأثيرات نجاحها أو فشلها تتجاوز التصورات. من هذا المنطلق، فإن هذه المفاوضات حساسة للغاية وخطيرة ومعقدة وفي غاية الهشاشة.

في الواقع، إن مفاوضات مسقط لا تشبه أيٍّ من المفاوضات السابقة بين حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة، بما في ذلك المفاوضات التي أدت إلى اتفاقية “البرنامج النووي”. كانت المفاوضات السابقة تدور إما حول مسائل فنية وتكتيكية، أو بهدف كسب الوقت لتجاوز أزمة خطيرة بشكل مؤقت، أو بهدف اختبار الأداء المستقبلي للطرف الآخر. أما المفاوضات بين وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، والمبعوث الخاص للرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، في العاصمة العمانية، فإن هدفها يتجاوز كل ما سبق.

يبدو أن الهدف الرئيسي لحكومة دونالد ترامب من التفاوض مع الجمهورية الإسلامية محدد في مستويين. الأول هو إنهاء العداء الذي استمر لمدة نصف قرن بين طهران وواشنطن، وتعزيز التعاون المتبادل بين البلدين.

من الواضح أن تحقيق هذا الهدف يمكن أن يتم فقط إذا كانت السلطات الإيرانية ترغب فيه. ولكن إذا أصرت الجمهورية الإسلامية على معارضتها لتطبيع وتحسين العلاقات بين البلدين، فإن الهدف الثاني من المفاوضات بالنسبة للولايات المتحدة سيكون تحييد جميع الأدوات التكنولوجية والعسكرية التي يرى ترامب أن وجودها في إيران يشكل تهديدًا مباشرًا أو محتملًا للمصالح الأمريكية وحلفائها.

من غير المحتمل أن يكون الطرف الإيراني على غير اطلاع بمعطيات طلب ترامب. وإلا لماذا قبل ببدأ المفاوضات؟ فهل الهدف هو محاولة توجيه المفاوضات في إطار الصيغ السابقة؟ إذا كان هذا هو الهدف، فإن الطرف الأمريكي لن يواصل المفاوضات. أم هل الهدف هو فقط تحييد التظاهر الطوعي لترامب من خلال دخول المفاوضات بشكل شكلي ثم مغادرتها دون أي أمل في أن تثمر؟ إذا كان هذا هو الهدف، فهذا هدر للوقت. أم أن الهدف هو فتح فصل جديد في العلاقات مع الولايات المتحدة وقول الوداع لكل الأزمات التي نشأت من التخاصم بين البلدين؟

إذا كان هذا هو الهدف، فستسير المفاوضات بمزيد من التوترات وفرص أكبر للنجاح. لكن من الواضح أن الدخول في مثل هذا المسار يتطلب إعادة تقييم أساسية، وعواقب ذلك ستكون الاستعداد لتشكيل سياسي جديد في البلاد قد يؤدي إلى تحول عميق في القاعدة الاجتماعية لنظام البلاد.

إذا لم يكن هناك هذا التقييم وإعادة الاستعداد العقلي، ومن جهة أخرى، إذا كانت هناك مخاوف من مواجهة عسكرية، فإن المفاوضين الإيرانيين قد يميلون نحو الهدف الثاني للولايات المتحدة من المفاوضات. في هذه الحالة، سيكون السيناريو مثالًا لـ “اسمه بالحصاد ومنجله مكسور”، لأن البلاد في تلك الحالة ستتنازل عن بعض الامتيازات للطرف الآخر من أجل تجنب خطر الحرب دون أن تحصل على الامتيازات اللازمة للمساعدة في الاستثمار والتنمية الاقتصادية.

على أي حال، مع أي حساب كان، يجب الاعتراف بأن العملية ستكون مليئة بالأحداث ومعقدة للغاية وصعبة وشاقة، وستزيد تفرقة القوى الاجتماعية وسلوكها من تعقيد الوضع.

جزء كبير من الشريحة المعروفة بـ “راكبو التيار” الداعمة للحكومة في إيران، يعارضون المفاوضات وخاصة التوصل إلى نتائجها. وهم حتى غير مستعدين للصمت وقد بدأوا في تحفيز وتوجيه الانتقادات والهجمات على وسائل التواصل الاجتماعي. في الواقع، بدلاً من أن يكون هؤلاء الأشخاص في وقت الأزمات “عوامل استقرار” للنظام، أصبحوا “مصيبة” له! لذا، ليس من المستغرب أن يكون هناك تمرد أو تصرفات خطيرة من جانب بعضهم.

ليس هذا فحسب، أصبحت وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية في الخارج وكأنها ناطقة باسم المعارضة المناهضة للنظام، وترى مصلحتها في فشل المفاوضات وبدء الحرب، وتعمل فعليًا على تسميم الرأي العام الداخلي وتضليله وتحفيزه.

كما تجد بعض القوى الإصلاحية والمعتدلة والمتطلعة للتغيير، التي تدافع نظريا عن المفاوضات وتريد أن تكون نتيجتها إيجابية، إلا أنها عمليًا بدلاً من المساعدة في تسهيل مسار التفاوض وحل المشكلات، تجد الوقت والمجال لتصفية حساباتها السياسية مع منافسيها، وبالتالي تجعل من تقدم الأمور التي تصب في مصلحة البلاد أكثر كلفة بالنسبة لصناع القرار.

لكن هذا لم يمنع الإيرانيين في الشوارع والأسواق من التردد في إظهار سعادتهم. فأملهم في حدوث انفراجة اقتصادية يضغط على حياتهم كالعنة. لكن أصواتهم غائبة في وسائل الإعلام. عادة ما يفشل أي ابتكار سياسي جديد بدون دعم من قوة سياسية مؤثرة وواسعة. من هنا، فإن الوقت قد حان لرفع القيود الأمنية عن القوى السياسية المعارضة التي يمكن أن تكون جزءًا من الحل لتجاوز الأزمات الكبرى المقبلة، ويمكن أن تحشد المجتمع في هذا الاتجاه.

بدون تعبئة الجزء الصامت من المجتمع في هذا الاتجاه من قبل القوى المعارضة السلمية، لن يكون أمام الحكومة خيار سوى الرضوخ لضغوط “راكبو التيار”، والذين لا يريدون فقط فشل المفاوضات، بل إنهم بشكل واعٍ أو غير واعٍ قد جعلوا الحرب ودمار البلاد جزءًا من طموحاتهم السياسية والعقائدية.

أحمد زيد آبادي
صحفي إيراني

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى