من الصحافة الإيرانية: ما أسباب تهميش أوروبا في مفاوضات إيران وترامب؟

هل ستتمكن أوروبا من استعادة مكانتها في الساحة الدبلوماسية، أم أن هذا التهميش سيصبح سمة دائمة من سمات الدبلوماسية الغربية في عهد ترامب؟

ميدل ايست نيوز: حوّلت المفاوضات بين إيران وإدارة دونالد ترامب، التي بدأت بعد عودته إلى البيت الأبيض، إلى واحدة من أبرز التطورات الدبلوماسية في عام 2025. وبينما كانت الدول الأوروبية، وخصوصًا بريطانيا وفرنسا وألمانيا (الترويكا الأوروبية)، تلعب دورًا رئيسيًا في المحادثات النووية السابقة مع إيران، تظهر الأدلة أن هذه المرة تم استبعادها من مسار المفاوضات. وقد أثار هذا التهميش تساؤلات حول مكانة أوروبا في السياسة العالمية وعلاقتها بالولايات المتحدة واستراتيجيات إيران تجاه الغرب.

أسباب استراتيجية وراء تهميش أوروبا

وحسب تقرير لموقع “خبر آنلاين” الإيراني عقب عودته إلى الحكم، اتخذ دونالد ترامب نهجًا أكثر عدائية تجاه إيران. فقد أعلن في 7 أبريل 2025 أن المفاوضات المباشرة مع إيران قد بدأت، واستمرت حتى 11 أبريل 2025. هذا التحول ينبع من رؤيته القاضية بتقليل الاعتماد على الحلفاء الأوروبيين. ويرى خبراء أن ترامب وجّه انتقادات لحلف الناتو وأوروبا، مطالبًا إياهم بتحقيق اكتفاء ذاتي في المجال الدفاعي. وقد أثّر هذا التوجّه على مسار المفاوضات مع إيران أيضًا.

في الوقت نفسه، فقدت أوروبا خلال السنوات الأخيرة الكثير من نفوذها في منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، صرّح مجيد تخت روانجي، نائب وزير الخارجية الإيراني، لصحيفة فاينانشال تايمز قائلًا: “لم تعد أوروبا لاعبًا مؤثرًا”. هذا التصريح يعكس الضعف الدبلوماسي الأوروبي بعد فشلهم في إحياء الاتفاق النووي، وعجزهم عن مواجهة العقوبات الأمريكية. ولهذا السبب، يرى مراقبون سياسيون أن إيران تفضّل التفاوض المباشر مع أمريكا لتجنب تعقيدات الحوار المتعدد الأطراف مع الأوروبيين.

أسباب سياسية ودبلوماسية لتراجع الدور الأوروبي

تواجه أوروبا صعوبات داخلية في التعامل مع ترامب. فعلى سبيل المثال، تواصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ترامب وزيلينسكي بعد قمة باريس التي عقدت في 18 فبراير 2025، لكن باقي القادة الأوروبيين لم يتخذوا موقفًا موحدًا. هذا الافتقار إلى الانسجام قلل من ثقة ترامب – وحتى إيران – في الدور الأوروبي، وأبعدهم عن طاولة المفاوضات.

من ناحية أخرى، لعب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي التقى ترامب في البيت الأبيض، دورًا كبيرًا في هذا التهميش. فقد دعم نتنياهو ما يُعرف بـ”الخيار الليبي” لإزالة البرنامج النووي الإيراني، ودفع نحو سياسة أمريكية أكثر تشددًا. هذا الضغط ربما شجّع ترامب على استبعاد أوروبا، التي تميل إلى اتخاذ مواقف أكثر اعتدالًا.

كذلك كان لسلطنة عُمان، التي لطالما لعبت دور الوسيط المحايد بين إيران والغرب، دور فاعل في هذا المسار. فالمفاوضات التي تُجرى في عمان، بعيدًا عن الأوروبيين، تُظهر تفضيل ترامب وطهران لاستخدام قنوات غير أوروبية تضمن مزيدًا من السرعة والسرية.

تبعات تهميش أوروبا من مفاوضات عُمان

أدى استبعاد أوروبا من المفاوضات إلى إضعاف مكانتها الدبلوماسية. وفي هذا الصدد، قالت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: “أي حل سريع هو صفقة قذرة”. هذا التصريح يعكس قلق أوروبا من عزلتها، لكن عجزها عن الرد بفعالية جعل مصداقيتها موضع تساؤل متزايد.

وفي المقابل، فإن استبعاد أوروبا من قِبل ترامب بعث برسالة واضحة إلى حلفائه مفادها أن الولايات المتحدة تنوي رسم سياستها الخارجية بمفردها. ووفقًا لتقرير نشرته وول ستريت جورنال، فإن مسؤولًا أوروبيًا رفيعًا كشف أن أوروبا كانت على علم بمفاوضات نهاية الأسبوع بين إيران وأمريكا، لكنها لم تُطلع على التفاصيل. هذا النهج الأحادي زاد من توتر العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة.

أما بالنسبة لإيران، فقد يساهم غياب أوروبا في تسريع المفاوضات، لكنه ينطوي على مخاطر كذلك. يرى خبراء العلاقات الدولية أن الهدف الأساسي لطهران هو “رفع العقوبات”، وأن المفاوضات الثنائية تُسهّل تحقيق هذا الهدف. إلا أن استبعاد أوروبا قد يُضعف الضغط الدولي على واشنطن، ويفسح المجال أمام ترامب لانتهاج سياسة أكثر تشددًا.

في المقابل، تشعر أوروبا بالقلق من هذا التهميش، إذ إنها تتأثر أمنيًا بالبرنامج النووي الإيراني، واقتصاديًا من خلال التجارة مع طهران. ويعتقد محللون سياسيون أن القادة الأوروبيين يخشون أيضًا من استبعادهم من مفاوضات أخرى، مثل تلك التي قد تجمع بين ترامب وفلاديمير بوتين، وهو ما يعكس مخاوف مماثلة في الملف الإيراني.

الآن يبقى السؤال هل ستتمكن أوروبا من استعادة مكانتها في الساحة الدبلوماسية، أم أن هذا التهميش سيصبح سمة دائمة من سمات الدبلوماسية الغربية في عهد ترامب؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − سبعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى