من الصحافة الإيرانية: هل تتوصل طهران وواشنطن إلى أرضية مشتركة؟

مع أن إدارة ترامب لم تُظهر حتى الآن موقفًا واضحًا من هذه النقطة، فإن الجولات القادمة من المفاوضات ستكون كفيلة بكشف نوايا واشنطن.

ميدل ايست نيوز: عُقدت في العاصمة العُمانية مسقط أول جولة من المفاوضات غير المباشرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية، بمشاركة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، والمبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى شؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، وذلك بهدف التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني.

وأشارت تصريحات الجانبين إلى وجود استعداد وجدية لحل الخلافات عبر الوسائل الدبلوماسية، حيث يبدو أن طهران وواشنطن ترغبان في معالجة الملف النووي الإيراني دون اللجوء إلى الخيار العسكري. ومع ذلك، لا تزال مسألة “المبدأ المشترك” الذي يجب أن يشكل أساساً لأي اتفاق مستقبلي، موضع تساؤل، خصوصاً أن الوفدين لم يظهرا حتى الآن توافقاً حول هذا الأساس، بل اكتفيا بالتأكيد على أهمية الحوار كوسيلة لحل النزاعات.

وتُطرح تساؤلات بشأن طبيعة هذا “المبدأ”: فهل يتضمن قبول الولايات المتحدة بالبرنامج النووي الإيراني وحق طهران في تخصيب اليورانيوم؟ أم أن واشنطن تسعى إلى نزع هذا الحق تماماً أو الاكتفاء بقبول وجود البرنامج دون السماح بالتخصيب؟ كما لم يتضح بعد موقف إيران من مسألة التفتيش الدولي، وطبيعة الجهات المخولة بذلك، إذ تثار مخاوف من أن تسعى الولايات المتحدة إلى تجاوز الوكالة الدولية للطاقة الذرية لصالح تشكيل آلية تحقق خاصة بها، ما قد يضع طهران أمام معادلة جديدة.

وتدور أيضاً تساؤلات حول نطاق المفاوضات: فهل ستنحصر في الملف النووي فقط، أم أن إدارة ترامب تسعى إلى توسيع إطارها لتشمل البرنامج الصاروخي الإيراني وسياسات طهران الإقليمية؟ هذا الأمر يضع مستقبل المحادثات على المحك، خصوصاً في غياب تفاهم مسبق حول سقف المطالب وحدود التنازلات.

وفي الوقت الذي عاد فيه الطرفان إلى بلديهما لمناقشة نتائج الجولة الأولى مع صناع القرار، تشير التقديرات إلى أن الإطار الزمني قد يكون عاملاً حاسماً في تقرير مصير هذه المفاوضات. ويُظهر الطرفان رغبة واضحة في تجنّب مفاوضات مطوّلة، والسعي إلى اتفاق سريع خلال فترة زمنية قصيرة.

ورغم ذلك، تبدو إدارة ترامب أكثر استعجالاً. وتقول مصادر أمريكية إن بعض المسؤولين في واشنطن يشككون في نوايا إيران، معتبرين أن الأخيرة تستخدم المفاوضات كغطاء لكسب الوقت من أجل تسريع تطوير برنامجها النووي. وقد عزز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا التصور، مما زاد من تشكك ترامب في نوايا طهران، خصوصاً مع استمرار المحادثات دون نتائج ملموسة. وفي ظل هذا السياق، فإن إطالة أمد التفاوض قد يؤدي إلى انسحاب أمريكي مبكر من العملية التفاوضية.

ويُنظر إلى انعقاد الجولة الأولى من المحادثات بوصفه انتصاراً نسبيًا للتيارات الداعمة للتفاهم داخل كلا البلدين. ففي الولايات المتحدة، يبدو أن ترامب أعطى الأولوية لخيار التسوية عبر دعم مواقف شخصيات مثل جي. دي. فانس وويتكوف، متجنباً الخطاب المتشدد الذي يروّج له أعضاء الكونغرس من أمثال مايكل والتز وماركو روبيو. أما في إيران، فإن الحكومة الحالية تواصل تأكيدها على تمسكها بحقوقها النووية، بالتوازي مع استعدادها للتفاوض ضمن إطار يمكن القبول به داخلياً.

وفيما تشير المعطيات إلى بدء محادثات جدية، فإن مدى تقارب أو تباعد وجهات نظر الطرفين سيتضح خلال الجولات القادمة، خصوصاً فيما يتعلق بالتوصل إلى “مبدأ مشترك”. ويستذكر بعض المراقبين تجربة الاتفاق النووي لعام 2015، حين وافقت إدارة أوباما على حق إيران في التخصيب، وهو ما شكل الخط الأحمر الأهم بالنسبة لطهران، ومهّد الطريق نحو اتفاق شامل رغم الاعتراضات الداخلية.

ومع أن إدارة ترامب لم تُظهر حتى الآن موقفًا واضحًا من هذه النقطة، فإن الجولات القادمة من المفاوضات ستكون كفيلة بكشف نوايا واشنطن، وتحديد ما إذا كانت العملية ستفضي إلى نجاح دبلوماسي جديد أم تعود إلى مربع المواجهة والتصعيد.

مجيد محمد شريفي

أستاذ مساعد في قسم العلاقات الدولية في جامعة خوارزمي

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

14 − 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى