سياسيون إيرانيون لقوا حتفهم “السياسي” بعد التفاوض مع أميركا.. من هم؟

تُظهر استعراضات التاريخ السياسي لإيران أن كل من تصدّى لمهام التواصل أو التفاوض مع الولايات المتحدة، وُضع تحت مجهر الاتهام وتعرض لضغوطات سياسية وأحياناً لمحاكمات أو إقصاء سياسي.

ميدل ايست نيوز: مع اقتراب انعقاد الجولة الثانية من المحادثات بين إيران والولايات المتحدة، بدأ عدد من الشخصيات الأصولية في إيران بشن هجوم على وزير الخارجية عباس عراقجي، الذي يترأس الوفد الإيراني المفاوض. وتزامن ذلك مع تنظيم تجمعات لدعم الشعب الفلسطيني في غزة، حيث رفع بعض المشاركين لافتات تندد بالمفاوضات مع واشنطن.

وبدأت هذه الحملة من النائب البرلماني أمير حسين ثابتي، المقرب من التيار المتشدد بقيادة سعيد جليلي، والذي ألقى كلمة حادة تحت قبة البرلمان هاجم فيها الاتفاق النووي وعباس عراقجي، كما كتب في حسابه على منصة “إكس” (تويتر سابقاً): “الموت لذلك المعيار الذي يعتبرني قريباً من عراقجي وظريف وروحاني وبني‌ صدر فقط لأني وُلدت في نفس الوطن، ويعتبر الأبطال الفاطميون (لواء أفغاني تابع للحرس الثوري شارك في معارك سوريا) غرباء عني لأنهم وُلدوا على بعد بضعة كيلومترات من هنا”.

وانضمت صحيفة “كيهان” المتشددة أيضاً إلى حملة الانتقاد، وكتبت في افتتاحيتها قبل يوم من بدء محادثات الجولة الأولى: “قد تكون هذه الأيام هي اللحظة المناسبة للانتقام من دم الشهيد سليماني برصاصة في رأس ترامب الأجوف، ليتجرّع لعنة الهلاك!”.

وانطلقت محادثات غير مباشرة بين عباس عراقجي يوم السبت الماضي، وستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط، في العاصمة العُمانية مسقط. وكان ترامب قد أعلن مساء الإثنين الماضي، خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، عن انطلاق هذه المحادثات.

تجدر الإشارة إلى أن هذه المفاوضات تأتي بعد أسابيع قليلة من بدء الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي شهدت تصعيداً عسكرياً في اليمن ضد جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، وسط اتهامات متكررة لطهران بدعمهم، ما دفع ترامب إلى وضع إيران أمام خيارين: “التفاوض تحت الضغط الأقصى أو الحرب”.

ويُشار إلى أن من يتولى قيادة المفاوضات “من الإيرانيين” مع الولايات المتحدة غالباً ما يُواجه لاحقاً مصيراً سياسياً معقداً، كما حدث مع شخصيات سابقة مثل عباس أمير انتظام ومحمد جواد ظريف.

عباس أميرانتظام.. أول من نُبذ بعد التفاوض مع واشنطن

يُعد عباس أمير انتظام، والذي كان المتحدث باسم الحكومة المؤقتة برئاسة مهدي بازركان، أول شخصية إيرانية تلقّت ضربة قاسية على خلفية أولى محاولات التفاوض بين إيران والولايات المتحدة بعد الثورة الإسلامية. ففي ديسمبر 1979، وُجهت إليه تهمة التجسس لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، وأمضى على إثرها أكثر من ثلاثين عاماً في السجن.

وبعد اقتحام السفارة الأمريكية في طهران في نوفمبر من نفس العام، حصل الطلاب المنتمون إلى حزب “خط الإمام” على عدد كبير من الوثائق الداخلية للسفارة، والتي تضمنت تقارير ومراسلات تشير إلى لقاءات جمعت دبلوماسيين أمريكيين بمسؤولين إيرانيين، من بينهم أمير انتظام. ووفقاً لإحدى تلك الوثائق، فقد تم تقديمه كشخص على تواصل مع الأمريكيين ويقوم بتزويدهم بمعلومات.

ورغم أن تلك اللقاءات والمراسلات تمت في إطار المهام الدبلوماسية الرسمية للحكومة المؤقتة، فإن الأجواء الثورية التي سادت البلاد حينها دفعت بعض الجهات إلى ربطها بالتجسس. وعلى الرغم من أن أمير انتظام نفى مراراً هذه التهم، إلا أنه لم يتمكن من تبرئة نفسه منها. وقد قال في عدة مناسبات: “ذنبي الوحيد هو أنني كنت دبلوماسياً وأقوم بواجبي، وكانت تلك اللقاءات والمراسلات جزءاً من مهام الحكومة المؤقتة الرسمية”.

ويُشار إلى أن أمير انتظام كان قد أجرى اتصالات غير معلنة مع مسؤولين أمريكيين، من بينهم جورج كيو، نائب رئيس محطة وكالة الاستخبارات المركزية في طهران، وذلك في محاولة للحصول على معلومات حول نوايا العراق بقيادة صدام حسين بشن هجوم عسكري على إيران. وقد أُدرجت تلك الاتصالات ضمن لائحة الاتهام بعد اقتحام السفارة، ما أدى إلى سجنه بتهمة التجسس.

في هذا السياق، كان وزير الخارجية الأسبق إبراهيم يزدي قد صرّح في مقابلة صحفية بأن لقاءه هو وعباس أمير انتظام مع مبعوثين من الحكومة الأمريكية عام 1979 لم يكن سرياً، ولم يُقدّم خلاله أي معلومات للجانب الأمريكي، كما لم يتلقَ الجانب الإيراني أي معلومات جديدة حول نوايا العراق في الهجوم على إيران. وأضاف أن المعلومات التي كانت بحوزة طهران عن استعدادات العراق للهجوم، كانت أكثر دقة مما امتلكه الأمريكيون، مشيراً إلى أن الإمام الخميني وأعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا على علم بتلك المعطيات.

اتهامات التجسس تطال شخصيات أقل شهرة

عبدالرسول دري أصفهاني، العضو السابق في الفريق الإيراني المفاوض حول الاتفاق النووي وممثل البنك المركزي، والذي يحمل الجنسية الكندية، اتُّهم عام 2016 بالتجسس لصالح أطراف خارجية. وكانت وسائل الإعلام قد أفادت حينها باعتقاله من قبل استخبارات الحرس الثوري أثناء سفره إلى تركيا. وقد صدر بحقه حكم بالسجن لثماني سنوات، رغم نفيه التهم، ليفرج عنه لاحقاً بكفالة.

من جهة أخرى، وُجهت تهم بالتجسس أيضاً إلى حسين موسويان، الدبلوماسي النووي السابق. ففي مايو 2007، صدر بحقه أمر اعتقال، لكنه أوضح لاحقاً أنه حصل على قرار بمنع تعقبه قضائياً. وأكد في مقابلة أن العديد من الشخصيات السياسية من كلا التيارين سألت رئيس مجلس الشورى الإسلامي حينها، غلام علي حداد عادل، عن قضيته، وأجابهم بصراحة أن تهمة التجسس لا أساس لها. ورغم ذلك، ونتيجة لضغوط سياسية، قررت المحكمة الثورية في طهران في أبريل 2008 إدانته بتهمة “الإخلال بالأمن القومي”، وحكمت عليه بالسجن سنتين مع وقف التنفيذ، وحرمانه من تولّي المناصب الحكومية لمدة خمس سنوات.

اتهامات تطال ظريف بعد نجاحه في توقيع الاتفاق النووي

حتى محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الأسبق، والذي يُعد من أبرز رموز الدبلوماسية الإيرانية في العقود الأخيرة، لم يَسلم من هذه الاتهامات. ورغم دوره الكبير في إنجاز الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1، إلا أن الصور التي جمعته بنظيره الأمريكي جون كيري خلال مفاوضات طويلة، والتي أظهرت علاقة ودّية بينهما، تحوّلت إلى ذريعة للهجوم عليه من قبل التيار الأصولي.

مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، أطلق بعض النواب الأصوليين حملة شرسة ضد ظريف، وصلت إلى حد اتهامه علناً بالتجسس. ففي إحدى الجلسات البرلمانية، وصف النائب علي خضريان بعض أعضاء الحكومة بـ”الجواسيس”، مطالباً بمحاسبتهم. كما أشار النائب جواد كريمي قدوسي إلى أن الرئيس السابق حسن روحاني هو من سمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، الذي اغتيل لاحقاً، واصفاً الأمر بأنه خيانة تستدعي المساءلة.

ورغم نفي هذه الاتهامات من قبل مواقع مقربة من التيار الأصولي ذاته، إلا أن ظريف عبّر عن استيائه من حملات التخوين قائلاً: “يُقال إن ظريف جاسوس ودرّب في مدرسة تجسس، ولا يحدث شيء لمن يقول ذلك”. كما استنكر الشائعات التي طالت عائلته، مضيفاً: “اتهموا جدي بأنه عميل للبهائيين والعولميين، بينما هو من تبرع لبناء مسجد في قم وهامبورغ”.

في الختام، تُظهر استعراضات التاريخ السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن كل من تصدّى لمهام التواصل أو التفاوض مع الولايات المتحدة، وُضع تحت مجهر الاتهام وتعرض لضغوطات سياسية وأحياناً لمحاكمات أو إقصاء سياسي. وبينما تبقى بعض تلك الاتهامات في دائرة الغموض، يرى مراقبون أن عدداً من هؤلاء المسؤولين قد يكونوا تعرضوا لظلم تاريخي، في إطار صراعات سياسية داخلية حادة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 − سبعة =

زر الذهاب إلى الأعلى