من الصحافة الإيرانية: سيناريوهات المفاوضات الإيرانية الأمريكية
رغم وجود خطوط حمراء ومواقف ثابتة لدى الأطراف المشاركة في المحادثات، إلا أن المسار التفاوضي بين إيران والولايات المتحدة يفتح باستمرار آفاقًا وفرصًا جديدة.

ميدل ايست نيوز: رغم وجود خطوط حمراء ومواقف ثابتة لدى الأطراف المشاركة في المحادثات، إلا أن المسار التفاوضي بين إيران والولايات المتحدة يفتح باستمرار آفاقًا وفرصًا جديدة. واحدة من أهم نتائج دراسات اتخاذ القرار تفيد بأن “تفضيلات صناع القرار غالبًا ما تكون غامضة ومُبهمة”؛ أي أن المفاوض لا يكون لديه دائمًا إدراك واضح لأولوياته أو لأولويات الطرف الآخر، بل يكتشف تدريجيًا “ما الذي يريد أن يطلبه”.
بعبارة أخرى، لا تسير عملية اتخاذ القرار دومًا على نسق عقلاني صارم، بل تتم في سياق ديناميكي وسلس، حيث يكتشف ممثلو الدول أنفسهم والآخرين أثناء التفاوض. وكما قال جلال الدين الرومي: “پایه پایه رفت باید سوی بام / هست جبریبودن اینجا، طمعِ خام”، أي أن طريق التسوية يمر بخطوات متدرجة، لا يمكن استعجالها.
ولتحقيق الاستفادة من هذا الغموض في التفاوض، لا تُجدي التنبؤات الغامضة، بل لا بد من إعداد سيناريوهات متعددة تساعد على اقتناص الفرص. وفي هذا السياق، يمكن رسم أربعة سيناريوهات رئيسية:
السيناريو الأول: عدم التوصل إلى اتفاق
هذا السيناريو يحمل تبعات خطيرة، مثل تفعيل آلية “سناب باك” (العودة التلقائية للعقوبات) وربما اندلاع حرب أو كليهما. في هذه الحالة، من المرجح أن تعيد إيران النظر في استراتيجيتها النووية، فتُعلي من شأن الردع النووي على حساب الخيارات الأخرى، خاصة في ظل شعار “حفظ النظام من أوجب الواجبات”.
المسؤولية في هذا السيناريو، كما يرى كاتب المقال، تقع على عاتق “دعاة الحرب في الولايات المتحدة”، الذين لا يُبدون تجاوبًا مناسبًا مع مرونة إيران في الملف النووي، وكذلك على “عصابة الأبارتهايد الإسرائيلي”.
نتائج هذا السيناريو قد تؤدي إلى تعليق شامل لمسيرة التنمية، وتخلق تحديات أمنية واقتصادية كبرى على مستوى الإقليم والعالم، بما فيها تهديد أمن الخليج والنفط واستقرار إسرائيل وإيران معًا.
السيناريو الثاني: اتفاق الحد الأدنى
يتضمن هذا السيناريو خطوات محدودة مثل تقييد تخصيب اليورانيوم وتسوية ملف البحر الأحمر ورفع جزئي لبعض العقوبات. ورغم أن كل طرف يمكنه تسويق هذا الاتفاق على أنه “نصر دبلوماسي”، إلا أن القضايا الجوهرية تبقى عالقة، والمفاوضات ستظل رهينة الكونغرس الأمريكي واستفزازات إسرائيل.
هذا الاتفاق سيُقلّص من احتمالية توسع الحرب إقليميًا، ويمنح بعض الأمان للقواعد الأمريكية في الخليج من ردود فعل إيرانية، لأن المواجهة ستنحصر بين طهران وتل أبيب. كما أن استمرار تدفق النفط عبر مضيق هرمز لن يزعج الصين، ولا يُتوقع تدخل كبير من روسيا.
السيناريو الثالث: اتفاق شامل
رغم أنه يبدو بعيدًا، إلا أن “الاتفاق الأقصى” بين إيران وأمريكا، إذا ما تحقق، سيوسّع من حضور إيران الاقتصادي والتجاري دوليًا. الاتفاقات المستقرة ترتبط عادة بشبكة من المصالح الاقتصادية والتجارية والأمنية المشتركة.
هذا السيناريو يتطلب شجاعة سياسية وتنازلات متبادلة، ويُحوّل “تجارة العقوبات” إلى “تجارة السلام”. لكنه يثير مخاوف لدى بعض القوى داخل النظام الإيراني، ويتطلب بناء توافق داخلي لضمان تقاسم المنافع.
وفي حال تم تنفيذ استثمارات أمريكية (ولو رمزية) بالمناصفة بين الفصائل السياسية الإيرانية، يمكن تهدئة التيارات المتشددة وتوسيع قاعدة الإصلاحيين وخفض احتمالية التحالفات المعارضة للنظام.
وبعبارة أوضح، يكفي أن تقوم أمريكا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، باستثمار مثلاً 200 مليار دولار بالتساوي مع جناحي السلطة الداخليين. عندها ستتغير “الرؤى العالمية”؛ سيُقنع الكبار؛ ستُحدَّ من قوة جماعات الضغط؛ سيُسحر الشبان الطامحون بأساطير جديدة؛ سيحصل الإصلاحيون على المزيد من الفرص الاقتصادية والسياسية، ويقل حوافزهم للتحالف مع القوى الخارجة عن النظام. في هذا السيناريو، ستزداد تكاليف الحرب على إسرائيل، رغم أن الخطر لن يُزال بالكامل. مثل هذا التوازن، إذا كان يرغب في تضمين مصالح الصين وروسيا، سيتطلب حبلًا مشدودًا تجاريًا وعسكريًا أوسع، وسياسة موازنة إيجابية أوسع أيضًا لتقليل “الاحتكاك الاستراتيجي” إلى الحد الأدنى.”
السيناريو الرابع: الاتفاق الإقليمي الموسع
هذا السيناريو “الأسطوري” يشمل إلى جانب إيران وأمريكا كلاً من أوروبا ودول الخليج، ما يمنحه قدرًا أكبر من الثبات. وفي حال تحقق، ستنقلب حالة العزلة الدولية لإيران، ويمكن للبلاد أن تتحوّل إلى “ملتقى الفرص العالمية”.
ورغم ضعف إيران في بعض المراحل، إلا أن السياق الدولي قد يصب لصالحها. فالدبلوماسية الناجحة لا تتطلب دومًا القوة، بل قراءة دقيقة للفرص وتحييد الصراعات. فكلما كانت السياسة الخارجية أقل ارتباطًا ببقاء الأنظمة، زادت فرص الاستفادة من الانفتاح الدولي.
الرهان على المستقبل يتطلب استعدادًا لتعدد السيناريوهات، ومرونة في التعامل مع واقع متغير. فالتفاوض، في نهاية المطاف، ليس مجرد حسابات عقلانية، بل حرفة سياسية قائمة على التوقيت والثقة واستثمار ما هو “غامض” في صالح ما هو “ممكن”.
کیومرث اشتریان
خبير في الشؤون السياسية