من الصحافة الإيرانية: فصل تجاري جديد بين إيران والولايات المتحدة؟
إن أي اتفاق مستقبلي لن يكون كافيًا بحد ذاته لتحقيق انتعاش اقتصادي، إذ لا بد من إصلاحات داخلية ضرورية لاغتنام هذه الفرصة التاريخية، أبرزها إصلاح النظام المصرفي والخروج من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي.

ميدل ايست نيوز: مع اقتراب نهاية ماراثون المفاوضات، تصاعدت التكهنات بشأن انفراجات اقتصادية محتملة بين إيران والولايات المتحدة. وعلى الرغم من عدم وجود تأكيد رسمي حتى الآن، إلا أن المعطيات تشير إلى أنه في حال التوصل إلى اتفاق وإعادة فتح السفارات، فإن الاقتصاد الإيراني قد يشهد أحد أبرز التحولات خلال العقود الأخيرة، من بينها تشكيل غرفة تجارة مشتركة بين إيران والولايات المتحدة. ويُتوقع أن لا يكون لهذا التطور بُعد رمزي فقط على المستوى الدولي، بل يمكن أن يتحول إلى محرك حقيقي لترميم العلاقات التجارية وإعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية في البلاد.
ورغم العقوبات الاقتصادية المفروضة، فإن العلاقات التجارية بين إيران والولايات المتحدة لم تنقطع تمامًا حتى في أشد فتراتها. إذ تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن حجم التجارة الثنائية بين البلدين بلغ نحو 500 مليون دولار في عام 2018، وكان معظمها واردات إيرانية من الولايات المتحدة تشمل الأغذية والأدوية والمنتجات الزراعية. إلا أن هذا الرقم شهد تراجعًا كبيرًا بعد استئناف العقوبات، حيث بلغ في عام 2019 نحو 78 مليون دولار، وفي عامي 2020 و2021 انخفض إلى حوالي 40 مليون دولار سنويًا، وفي عام 2023 وصل إلى 61 مليون دولار، بينما سجل في عام 2024 ارتفاعًا طفيفًا ليبلغ 97 مليون دولار. في المقابل، لم تتجاوز صادرات إيران إلى الولايات المتحدة مستويات تُذكر، إذ واجهت حظرًا مفروضًا على سلع تقليدية مثل السجاد والفستق والكافيار، والتي كانت تحظى بحصة معتبرة في السوق الأمريكية.
توقعات الاتفاق: كيف ستتغير الأرقام؟
وتُظهر التقديرات الاقتصادية، استنادًا إلى تجربة الاتفاق النووي لعام 2015، أنه في حال التوصل إلى اتفاق جديد، يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات لنمو التجارة بين البلدين. ففي المدى القصير، أي خلال عام من توقيع الاتفاق، من المتوقع أن يتراوح حجم التبادل التجاري بين 300 إلى 500 مليون دولار سنويًا، مع عودة صادرات السجاد والمكسرات والصناعات اليدوية والمنتجات الغذائية الإيرانية إلى السوق الأمريكية، بالتوازي مع ارتفاع واردات السلع الزراعية والدوائية والصناعية الأمريكية إلى إيران.
وعلى المدى المتوسط، أي خلال فترة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، ومع إزالة العوائق المصرفية واللوجستية، قد يرتفع حجم التجارة الثنائية إلى ما بين مليار إلى ملياري دولار سنويًا. وفي هذه المرحلة، من المتوقع أن تدخل شركات كبرى مثل بوينغ في قطاع الطيران، وجنرال إلكتريك في مجالات الطاقة والمعدات الطبية، وفايزر في قطاع الأدوية، في علاقات مباشرة مع السوق الإيرانية.
أما على المدى الطويل، أي بعد خمس سنوات أو أكثر، وفي حال رفع العقوبات الأساسية وتنفيذ إصلاحات هيكلية داخلية، فقد يتجاوز حجم التبادل التجاري السنوي ثلاثة مليارات دولار، حيث يمكن لإيران أن تتحول إلى سوق محتملة للمنتجات التكنولوجية والبنية التحتية والخدمات المالية الأمريكية، مقابل تنوع أوسع في الصادرات الإيرانية.
متطلباتنا ومسؤوليتنا: الإصلاح من الداخل
ومع ذلك، فإن أي اتفاق لن يكون كافيًا بحد ذاته لتحقيق انتعاش اقتصادي، إذ لا بد من إصلاحات داخلية ضرورية لاغتنام هذه الفرصة التاريخية، أبرزها إصلاح النظام المصرفي والخروج من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (فاتف) وتطوير البنية التحتية للنقل واللوجستيات التجارية وتهيئة بيئة قانونية شفافة لجذب الاستثمارات الأجنبية وإنشاء قنوات مالية موثوقة بالتعاون مع البنوك العالمية، إلى جانب تمكين القطاع الخاص وتعزيز مشاركة الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة. ومن دون هذه الشروط المسبقة، لن يكون الدخول مجددًا إلى السوق الأمريكية أو جذب المستثمرين الجادين أمرًا ممكنًا.
ويؤكد أصحاب الطرح أن تشكيل غرفة التجارة الإيرانية الأمريكية ليس مجرد خبر عابر، بل يُعد نقطة تحول حقيقية. فقد جرى سابقًا إنجاز المراحل القانونية الأولية لتأسيس هذه الغرفة، وهي الآن جاهزة للتفعيل السريع، بما يمكنها من أن تؤدي دورًا كجسر يربط بين الفاعلين الاقتصاديين في البلدين، وتوضح المسارات القانونية والتجارية للشركات المهتمة، وتمارس دور الضغط الاقتصادي داخل المؤسسات الأمريكية، وتُعزز ثقة المجتمع الدولي بالمستقبل الاقتصادي لإيران.
ومن هذا المنطلق، فإن على القطاع الخاص أن يكون مستعدًا، وفي حال تحقق الاتفاق، فإن أول خطوة عملية مطلوبة هي تفعيل غرفة التجارة المشتركة رسميًا، فالمستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع بالإرادة والإصلاح.
أمير رضا اعتمادي
خبير في الشؤون الاقتصادية