من الصحافة الإيرانية: هل وصلت فكرة أردوغان القومية التركية إلى نهايتها؟
أعلنت ثلاث دول من آسيا الوسطى والتي تُعد أعضاء في "منظمة الدول التركية" (OTS)، دعمها لسيادة جمهورية قبرص، مما يعني عملياً إنهاء جهود تركيا لاستخدام المنظمة ذات الطابع القومي كأداة للاعتراف بـ "قبرص الشمالية" أو "قبرص التركية المحتلة".

ميدل ايست نيوز: في انتكاسة كبيرة لأنقرة، أعلنت ثلاث دول من آسيا الوسطى — كازاخستان، تركمانستان، وأوزبكستان — والتي تُعد أعضاء في “منظمة الدول التركية” (OTS)، دعمها لسيادة جمهورية قبرص، مما يعني عملياً إنهاء جهود تركيا لاستخدام المنظمة ذات الطابع القومي كأداة للاعتراف بـ “قبرص الشمالية” أو “قبرص التركية المحتلة”.
وجاء ذلك في بيان مشترك عقب قمة قادة الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى في سمرقند يوم 4 أبريل، حيث أكدت الدول الثلاث صراحة قراري مجلس الأمن 541 (1983) و550 (1984)، اللذين يدينان الإعلان الأحادي الجانب من قبل تركيا في عام 1983 بتأسيس “جمهورية شمال قبرص التركية”، ويدعوان دول العالم إلى عدم الاعتراف بها.
هذا التحول المفاجئ في موقف الدول الثلاث يُعد نهاية لمحاولات تركيا على مدار عامين لإقناعها بالاعتراف بـ “الجمهورية التركية لشمال قبرص” (TRNC).
وتضم منظمة الدول التركية (OTS) كلاً من تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان كأعضاء دائمين، بينما تتمتع كل من تركمانستان، المجر، و”جمهورية شمال قبرص التركية” بوضع مراقب.
لطالما كانت آسيا الوسطى ساحة صراع نفوذ بين الأتراك والروس. وفي القرن الحادي والعشرين، دخلت الصين كلاعب جديد يسعى للاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة للمنطقة لتغذية اقتصادها واستغلال الإمكانات الهيدروكربونية الهائلة في آسيا الوسطى لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة. كما ترى فيها عنصراً محورياً في مبادرة “الحزام والطريق” التي تبلغ تكلفتها 1.75 تريليون دولار. كما أنشأت تركيا وروسيا والصين منصات متعددة الأطراف لزيادة نفوذها الدبلوماسي في آسيا الوسطى.
في هذا السياق، أنشأت روسيا “رابطة الدول المستقلة” عام 1991، التي تضم 12 جمهورية سوفييتية سابقة، من بينها دول آسيا الوسطى. أما الصين، فقد أسست في عام 2001 “منظمة شنغهاي للتعاون” بالتعاون مع روسيا ودول من آسيا الوسطى.
وفي عام 2009، أنشأت تركيا “منظمة الدول التركية” لتعزيز التعاون بين الدول الناطقة بالتركية. تتكون المنظمة من خمس دول أعضاء هي: أذربيجان، كازاخستان، قيرغيزستان، تركيا، وأوزبكستان. كما تم منح صفة المراقب في المنظمة لكل من تركمانستان والمجر وجمهورية شمال قبرص التركية المعلنة من جانب واحد.
من جهته، بدأ الاتحاد الأوروبي في لعب دور أكبر في المنطقة، لا سيما بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وفي أوائل هذا الشهر، عقد أول قمة له مع دول آسيا الوسطى، متعهداً باستثمار 12 مليار يورو (13.6 مليار دولار) في البنية التحتية للمنطقة.
ويعد قرار كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان بدعم سيادة قبرص انتصاراً دبلوماسياً كبيراً للاتحاد الأوروبي وهزيمة لتركيا وسياساتها القومية “الطورانية”.
وقد اعتُبر ذلك أيضاً فشلاً شخصياً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي استثمر وقتاً وجهداً كبيراً في منظمة الدول التركية، أملاً في تقديم نفسه كزعيم لكل الشعوب الناطقة بالتركية. كما سعت أنقرة إلى استخدام المنظمة لتعزيز الاعتراف بـ TRNC، حيث حصلت الأخيرة في 2022 على وضع المراقب، وهو وضع يُمنح عادةً للدول ذات السيادة فقط.
جدير بالذكر أنه عندما منحت المنظمة هذا الوضع لـ TRNC في نوفمبر 2022، قال الأمين العام حينها، كوبانيتشبيك عمر علييف، إن ذلك “رسالة إلى العالم”.
لكن الآن، وبعد تعهد ثلاث دول رئيسية بدعم سيادة قبرص، تكون جهود أنقرة قد وصلت إلى طريق مسدود.
وقد وُصفت هذه التطورات في الإعلام التركي بأنها “هزيمة كبرى”. فقد عنونت صحيفة جمهوريت الخبر بـ “لقد باعوا قبرص التركية مقابل 12 مليار يورو”، مدعية أن الاعتراف بسيادة قبرص جاء ضمن صفقة تبادل مع الاتحاد الأوروبي. واتهمت الصحيفة التركية دول آسيا الوسطى بخيانة تركيا والمجتمع القبرصي التركي.
أما صحيفة بيرغون فقد وصفت الأمر بأنه “كارثتان في يومين”، مشيرة إلى أنه جاء بالتزامن مع هجوم إسرائيلي على قاعدة في سوريا تسيطر عليها تركيا، دون أي رد من أنقرة.
حتى الآن، تبقى تركيا وأذربيجان الدولتين الوحيدتين في منظمة الدول التركية اللتين تدعمان TRNC بشكل كامل. لكن الأميرال المتقاعد جم غوردنيز، مهندس “عقيدة الوطن الأزرق”، حذر عبر تويتر من أن أذربيجان قد تتراجع أيضاً، ما يعني “هزيمة كاملة للدبلوماسية التركية” في المنطقة.
أحمد كاظمي
أستاذ في الحقوق الدولية