سياقات تهديدات نتنياهو “غير المسبوقة” ضد إيران

لطالما هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إيران خلال العامين الماضيين؛ لكن تهديداته بشأن "التدمير الكامل" للمنشآت النووية ومراكز تخصيب اليورانيوم كانت أكثر صراحة من أي وقت مضى، و"غير مسبوقة" تقريباً.

ميدل ايست نيوز: لطالما هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إيران خلال العامين الماضيين؛ لكن تهديداته بشأن “التدمير الكامل” للمنشآت النووية ومراكز تخصيب اليورانيوم كانت أكثر صراحة من أي وقت مضى، و”غير مسبوقة” تقريباً.

هذه التهديدات لافتة للانتباه كونها جاءت بعد يوم واحد من انفجار بندر عباس. مع ذلك، فإن الفهم الأفضل لتصريحات نتنياهو بالأمس يتطلب فهم سياقها أو سياقاتها.

يمكن تحليل تهديدات نتنياهو ضمن سياقين: السياق الداخلي الإسرائيلي ومفاوضات إيران والولايات المتحدة. بخصوص السياق الأول، يمكن القول إن المفاوضات الإيرانية الأميركية قد دخلت تقريباً في صلب الصراعات الداخلية الإسرائيلية. فمنذ بدء هذه المفاوضات، يتعرض نتنياهو لهجوم حاد من قبل معارضيه، الذين يهاجمون “بيبي” باستمرار وبسخرية، ويعتبرون بدء الدبلوماسية بين أميركا دونالد ترامب وإيران هزيمة له ولسياساته.

في هذا السياق، وصف زعيم المعارضة الإسرائيلية يئير لابيد مؤخراً نتنياهو بأنه “جبان وخائف”، واتهمه بمنع تنفيذ خطته في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لمهاجمة حقول النفط الإيرانية، وطالب بإعلان خمسة شروط للتعامل مع الملف النووي، تعد تعجيزية بالنسبة لإيران، وتذكّر بالنموذج الذي أدى إلى تفكيك البرنامج النووي الليبي.

في الوقت نفسه، اعتبر نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الذي يتمتع بفرص أفضل من نتنياهو في الانتخابات المقبلة، استراتيجيته تجاه إيران “شعاراً بلا فعل”، وذكّره بسياسة مناحيم بيغن التي كانت تقوم على “مهاجمة وتدمير” البرنامج النووي للأعداء.

مع استمرار المفاوضات، اشتدت هذه الانتقادات، ورد نتنياهو عليها بثلاث طرق تقريباً؛ أولاً، كان “تسريب” خبر وجود قرار بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية ومنع ترامب لذلك في وسائل إعلام أميركية قبل فترة وجيزة. بالطبع، هذا “التسريب الإخباري”، بالإضافة إلى استهلاكه الداخلي في إسرائيل، له غرض تفاوضي آخر ستجري الإشارة إليه لاحقاً في هذا المقال. في الواقع، أراد نتنياهو بهذا الفعل أن يعلن للمجتمع الإسرائيلي أنه مصمم على “تدمير” المنشآت النووية الإيرانية، ونسب عدم الهجوم حتى الآن إلى معارضة ترامب.

أما الطريقة الثانية فكانت إصدار بيان من مكتب نتنياهو، رداً على الانتقادات الداخلية، جرى فيه التأكيد على التزامه المتجدد بمنع إيران من الحصول على قنبلة ذرية، وأعلن: “رئيس الوزراء قاد عمليات علنية وسرية متعددة في المعركة ضد البرنامج النووي الإيراني، ولولا هذه العمليات لكانت إيران تمتلك اليوم ترسانة نووية، وهذه العمليات أخّرت البرنامج النووي الإيراني لما يقرب من عقد من الزمان”.

يبدو أن الطريق الثالث لنتنياهو في مواجهة الانتقادات الداخلية المتزايدة كان إطلاق تهديدات غير مسبوقة الليلة الماضية، ليُظهر عزمه “الجدي” في مواجهة البرنامج النووي الإيراني.

بغض النظر عن متطلبات دخول مفاوضات إيران وأميركا في التجاذبات السياسية في إسرائيل، لا يمكن رؤية مواقف نتنياهو هذه فقط ضمن هذا السياق الداخلي الإسرائيلي وبمعزل عن سياق مفاوضات إيران وأميركا.

أما في ما يتعلق بالسياق الثاني لتهديدات نتنياهو، فهناك احتمالان؛ الأول، أن التهديدات نوع من الضغط على ترامب لعدم التنازل عن المطلب الإسرائيلي الرئيسي المتمثل في تفكيك برنامج إيران النووي في المفاوضات، والاحتمال الثاني أنه نوع من توزيع الأدوار بين ترامب ونتنياهو، حيث يلعب نتنياهو دور المهدد بالحرب (ليُهدد بالموت) لدفع إيران إلى الرضوخ (للحمى) وتقديم أقصى التنازلات في المفاوضات.

في هذا الاحتمال، يلعب نتنياهو دور الشرطي السيء والرجل المجنون، والذي يستخدمه ترامب أيضاً أداة للمساومة في المفاوضات؛ مع توجيه رسالة إلى إيران مفادها أنه إذا لم تجر تلبية مطالب وشروط معينة في المفاوضات، فسأترك يد إسرائيل مطلقة للهجوم عليكم.

حقيقة الأمر هي أنه بالنظر إلى أزمة نتنياهو الداخلية وقلقه من انتقام ترامب، فمن المستبعد أن يرغب في استفزاز شخصية ترامب النرجسية بالضغط عليه لتحدي سياساته. لذلك، يبدو أن الاستخدام التفاوضي لهذه التهديدات يبقى أكثر احتمالاً عبر تقسيم الأدوار مع ترامب، بدلاً من الضغط عليه. نتنياهو نفسه يعلم أيضاً أن أي هجوم على منشآت إيران النووية غير ممكن بدون موافقة وتعاون الولايات المتحدة، وترامب يدرك هذه النقطة المهمة أيضاً. وبالتالي، فإن التهديد بتدمير هذه المنشآت لا يشكل بالضرورة ضغطاً على ترامب في مفاوضاته مع إيران.

ملخص القول إن نتنياهو يركز على دفع الولايات المتحدة نحو مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية بدلاً من أن تتصرف إسرائيل بمفردها وتنفذ هجوماً بهذا المستوى دون تنسيق وتعاون مع واشنطن؛ وإلا، فإن الظروف السياسية في إسرائيل مهيأة حالياً لمثل هذا العمل، وعلى عكس حرب غزة حيث يطالب معارضو نتنياهو بإنهائها مقابل إطلاق سراح المحتجزين، فإن الهجوم على إيران يحظى بدعم ونوع من الإجماع الداخلي، وهناك تيارات أخرى أكثر تشدداً من نتنياهو في هذا الخصوص.

بشكل عام، على الرغم من أن التدبير الأمني يتطلب أن تأخذ إيران تهديدات نتنياهو على محمل الجد كما لو أنها ستُنفذ غداً؛ إلا أن تركيز إسرائيل حالياً ينصب على الأعمال التخريبية بالتوازي مع المفاوضات.

 

صابر غل عنبري

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى