من الصحافة الإيرانية: ماذا يعني تعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة؟
يشكل الحضور العسكري المتزايد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والمحيط الهندي، إلى جانب المفاوضات الجارية، محورًا يستحق النقاش أكثر من أي قضية أخرى.

ميدل ايست نيوز: يشكل الحضور العسكري المتزايد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والمحيط الهندي، إلى جانب المفاوضات الجارية، محورًا يستحق النقاش أكثر من أي قضية أخرى، نظراً لما ينطوي عليه من تحديات ومخاطر تمس أمن إيران القومي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما دلالة هذا التوسع في الانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة، بما في ذلك في جزيرة دييغو غارسيا؟ هل هو مؤشر على ارتفاع احتمال وقوع صدام عسكري، أم أن هناك عوامل أخرى تدفع بهذا الاحتمال إلى الواجهة؟ وهل تكاليف هذا الوجود المرتفعة يمكن أن تبرر بحد ذاتها احتمال اندلاع الحرب؟
1- ينبغي أولًا الوصول إلى تقدير واضح لزيادة الحضور العسكري الأمريكي، وخاصة أن هذا التقدير يجب أن يركّز على التكاليف الإضافية الناتجة عن التصعيد الأخير في الحضور العسكري، وليس على التكاليف الأساسية المتعلقة بصيانة القوات والقواعد والمعدات.
2- مجموع الأنشطة والتكاليف للقوات الأمريكية يشمل ما يلي: نشر القوات: من 125 إلى 333 مليون دولار (م.د.)، العمليات الجوية: من 110 إلى 250 م.د.، العمليات البحرية: من 780 مليون إلى 1.08 مليار دولار، الدفاع الصاروخي: من 15 إلى 30 م.د.، الصواريخ الاعتراضية: من 20 إلى 80 م.د.، الإمداد: من 64 إلى 140 م.د.، الذخيرة: من 25 إلى 65 م.د.، المجموع الكلي: من 1.14 إلى 1.98 مليار دولار. بالمقارنة مع التكاليف التاريخية، أعلنت تقديرات البنتاغون لعام 2024 أن تكلفة العمليات في الشرق الأوسط من أكتوبر 2023 حتى يناير 2024 (أربعة أشهر) بلغت 1.6 مليار دولار، وشملت زيادة صغيرة في الحضور العسكري؛ أي مجموعة حاملة طائرات ومقاتلات إضافية ومنظومات دفاع جوي. الانتشار العسكري في عام 2025، مع حاملتي طائرات، قاذفات B-2، وزيادة في الإمداد، هو أكبر، وبالتالي فإن تقدير 1.14 إلى 1.98 مليار دولار خلال شهرين يتوافق مع هذا السجل؛ أي بدون احتساب التكاليف الأساسية، الفرق يبلغ حوالي 400 مليون دولار.
3- الخوف وإحداث خلل في حسابات العدو هو أهم وظيفة لتحريك ونشر القوات. البشر (والدول) في لحظات الخوف يرتكبون أخطاء في اتخاذ القرار، ولا يستطيعون التمييز بين “الخوف العقلاني” و”الرعب الذهاني”. الخوف العقلاني يتولد في عملية جماعية لاتخاذ القرار، والرعب غالبًا ما يحدث في فضاء اتخاذ القرار الفردي. “المبالغة في التقدير” أو “التقليل من التقدير” تحدث في داخلنا.
4- هناك روايتان مهمتان عن “الانتشار” أو بتعبير أدق “تحريك” الأسراب وحاملات الطائرات والقوات والقاذفات: الرواية الأولى هي الاستعداد لهجوم عسكري، والتي تم الحديث عنها كثيرًا. حجة الذين يرون أن إمكانية الحرب مرتفعة، هي أن هذه التحركات مكلفة وإذا لم تكن نية أمريكا هي الهجوم، فإن هذه التكاليف لا مبرر لها، وبالتالي يعتبرون نشوب الحرب محتملًا رغم السلام الذي تدعيه أمريكا. بالطبع يجب أخذ هذه الحجة على محمل الجد، ولكن ليس إلى درجة اعتبارها حتمية، ولا أن نذهب بناءً عليها، مذعورين، نحو التفاوض أو الحرب الوقائية. النزاعات الداخلية في الهيئة الحاكمة الأمريكية قد تغير التوازن لصالح دعاة الحرب. للأسف، كل شيء أصبح رهينةً للأحداث.
ومن هنا، في مثل هذه الحالة ستكون الحرب بأقصى اتساع. حيث يظهر تاريخ اتخاذ القرار الحربي في أمريكا أن العديد من المسؤولين الأمريكيين، كما يرسمون على الورق، يرسمون على خرائط الدول أحلام التفكيك. المثال الأحدث لمثل هذه الأوهام الطائشة هو تصريحاتهم حول غزة وجرينلاند وكندا. بشكل مدهش، فإن بنية اتخاذ القرار في أكبر قوة عسكرية في العالم مرتبطة بأشخاص مثل مايك بومبيو وجي. دي فانس وماركو روبيو، وأهمهم دونالد ترامب. جميعهم لديهم تاريخ في مثل هذه التصريحات والأوهام، والأهم من ذلك أنهم عرضوا حياة البشر وكيان الدول للخطر. ما يبدو مزحة للبعض، يتحول لدى آخرين في العراق وأفغانستان وغزة إلى مأساة. لكن هذا التهور ذاته يمكن، في ظل البراغماتية الأمريكية، أن يتحول فجأة إلى رواية مختلفة تمامًا. المهم هو أن “البزنس الأمريكي” يستطيع أن يصنع رواية جديدة ويتحول من جحيم الحرب إلى جنة الأعمال.
5- أما الرواية الأخرى التي نوقشت بدرجة أقل، فهي أن “التحريك” بحد ذاته هو الهدف. “التحريك” لا يعني “الاستخدام” والحرب. عند زيادة التكاليف العسكرية، لا بد أن يكون لدى الحكومات، بما في ذلك الحكومة الأمريكية، تبرير لزيادة التكاليف؛ “لا بد أن تكون مفيدة في وقت ما”، ومن الأفضل في هذه المرحلة أن يكون “إظهار القوة” عبر تحريك القوات والمعدات بديلًا عن “استخدام القوة”، وبالتالي، ووفق هذا الرأي، فإن تحريك القوات والمعدات ليس “تكلفة”، بل هو إنتاجية واستثمار. إذا لم يكن تحريك القوات يعني زيادة في التكاليف، فغالبًا لن يتم استخدامها أيضًا. بعبارة أخرى، فإن تحريك القوات الأمريكية في مختلف أنحاء العالم لا يعني بالضرورة استخدامها، بل هو شكل متقدم من المناورات العسكرية. المناورات العسكرية للدول لا تؤدي بالضرورة إلى الحرب.
6- مجموعات مختلفة ومتناقضة، وخاصة داخل الهيئة الحاكمة الأمريكية، ضالعة في الأمر، وهذا ما يجعل “الأحداث” أكثر تأثيرًا من القرارات المحسوبة أو حتى من تكاليف تحريك القوات أو الحملات العسكرية في صياغة المستقبل السياسي.
7- هذا الحضور العسكري، والتصريحات المتناقضة للهيئة الحاكمة الأمريكية بشأن شروط الاتفاق مع إيران، يجعل الأفق غامضًا وغير قابل للحسم ومضطربًا. في مثل هذه الظروف يجب تحديد السيناريوهات المختلفة في كل مجال من أجل زيادة “إمكانية اتخاذ القرار” السياسي بما يتناسب مع الاحتمالات. وقد عرضت عددًا من هذه السيناريوهات في كتابات سابقة.
کیومرث اشتریان
خبير في الشؤون السياسية