من الصحافة الإيرانية: مع عودة ترامب.. هل نعيش بداية نظام عالمي جديد؟

مع عودة ترامب إلى السلطة، عاد الجدل مجددًا حول ما إذا كان نظام دولي جديد في طور التشكُّل.

ميدل ايست نيوز: مع عودة ترامب إلى السلطة، عاد الجدل مجددًا حول ما إذا كان نظام دولي جديد في طور التشكُّل. فقد أثارت سياساته المتمثلة في الابتعاد عن الالتزامات الأمنية تجاه الحلفاء الأوروبيين والانفتاح على روسيا والأنظمة الاستبدادية وشنّ نوع من الحروب التجارية، الحديث مرة أخرى عن احتمال تشكُّل نظام عالمي جديد.

هنا يبرز السؤال: هل يمكن للسياسات والإجراءات التي يتخذها ترامب، بصفته رئيس أقوى دولة اقتصادية وعسكرية في العالم، أن تُقوّض النظام العالمي القائم على الأممية الليبرالية، الذي أنشأته الدول الغربية وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الثانية؟ ترامب أظهر بوضوح عدم احترامه لمبادئ الأممية الليبرالية، بما في ذلك توسيع التجارة الحرة وتقوية المؤسسات الدولية والاعتماد على التعددية في تحقيق الأمن وبناء العلاقات الدولية على أسس قانونية ونشر الديمقراطية الليبرالية.

وقد تركت إدارة ترامب القليل من الشك حول كراهيتها لجميع المنظمات الدولية، سواء كانت اقتصادية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أو سياسية كالأمم المتحدة، أو أمنية كالناتو، حيث لا ترى في سياسات وتوصيات هذه المؤسسات ما يتماشى مع ما تعتبره “مصالح أمريكا”. وقد أثارت هذه الرؤية، إلى جانب إجراءات مثل فرض رسوم جمركية قاسية وخفض كبير في المساعدات العالمية، مخاوف بشأن اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية والتضخم والركود العالمي وصعوبة توفير الغذاء والدواء للفئات الأكثر ضعفًا.

ومع ذلك، يصعب اعتبار أفعال ترامب أساسًا كافيًا للقول إن نظامًا دوليًا جديدًا على وشك التشكل. فقراراته تستند غالبًا إلى مشاعره وحدسه ونهجه القائم على “صفقات”، دون أن تنبع من أي رؤية فكرية متماسكة أو نظامية. فهو متردد ومضطرب في قراراته، ويتخذها بطريقة شخصية وفجائية وفورية، وليست نتيجة لآليات مؤسسية معتادة. لذا لا توجد مؤشرات واضحة حتى الآن على الاتجاه الذي ستسلكه أمريكا في عهد ترامب، ولا تزال في مرحلة الغموض والتردد في اتخاذ قرارات حاسمة.

ازدراؤه للمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة والناتو وصندوق النقد والبنك الدولي لا يزال في إطار المواقف الرمزية، ولا توجد إشارات حقيقية إلى نيّته الانسحاب الكامل منها. وربما يدرك أنه إن فعل ذلك، فسيمنح الصين فرصة تاريخية لتوسيع نفوذها عالميًا.

في هذه المرحلة، يمكن فقط الحديث عن صعود موجة جديدة من القوميين الانعزاليين والمعادين للعولمة، إلى جانب موجة من الشعبوية القومية المعادية لليبرالية في أمريكا وبعض الدول الأخرى، خاصة في أوروبا الغربية. والسؤال المطروح: هل ستستمر هذه الموجة وتتوسع، أم أنها ستفقد زخمها خلال سنوات قليلة؟ وهل ستظل معارضة العولمة، التي تتغذى بشكل رئيسي من رفض تصدير الوظائف الصناعية التقليدية إلى الخارج وموجات الهجرة إلى أوروبا وأمريكا، ظاهرة مؤقتة، أم أنها ستمتد على المدى البعيد؟

بعبارة أخرى: هل يمكننا، فقط من خلال ملاحظة هذه الظواهر، الادعاء بأن النظام الليبرالي القديم في طريقه إلى الزوال؟ وإذا كان الأمر كذلك، فالسؤال التالي هو: ما هو النظام الذي سيحل محله؟ هل سيكون نظامًا مركنتيليًا (تجاريًا حمائيًا)؟ أم نظامًا قائمًا على مناطق نفوذ تُقسَّم بين القوى الكبرى؟

إضافة إلى ذلك، فإن الشعبوية القومية السائدة اليوم في أوروبا وأمريكا – التي تقف في قلب النقاش حول النظام الدولي الجديد – هي، شأن كل الشعبويات في أي مكان، معادية للقانون (داخليًا وخارجيًا ومعادية للمؤسسات وللنخب وللإعلام وللنخب الاقتصادية.

ومن هذا المنظور، لا نواجه أزمة بين أوروبا وأمريكا فقط، بل مواجهة عابرة للحدود والقارات بين الشعبويين السلطويين في الغرب، ونظرائهم السلطويين في مناطق أخرى من العالم، في مقابل التيار الليبرالي الديمقراطي العالمي.

في هذا السياق، يمكننا القول إن الحزب الديمقراطي والجمهوريين الكلاسيكيين في أمريكا، ومعهم الإعلام والمؤسسات والبيروقراطية والجامعات، وكذلك حكومات كندا والمكسيك… يقفون إلى جانب الحكومات والمؤسسات الليبرالية الديمقراطية في أوروبا. في المقابل، تقف حكومتا المجر وإيطاليا، وهما حكومتان قوميتان شعبويتان إلى حد ما، في الصف المعاكس.

ربما يمكننا في هذه المرحلة الاكتفاء بالإشارة إلى هذا الاستقطاب العالمي، وتأجيل الحُكم الجاد بشأن تغير النظام الدولي إلى ما ستُظهره التطورات المقبلة، خاصة ما ستُسفر عنه انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في 2026، وانتخابات الرئاسة الأمريكية في 2028.

كوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى