الاتفاق البحري بين العراق والكويت: صراع التوازنات والمصالح
يُعد الاتفاق البحري بين العراق والكويت الخاص بإنشاء قناة بحرية للربط بين ميناءي أم قصر العراقي ومبارك الكبير الكويتي، من أبرز القضايا الخلافية بين البلدين في السنوات الأخيرة.

ميدل ايست نيوز: يُعد الاتفاق البحري بين العراق والكويت الخاص بإنشاء قناة بحرية للربط بين ميناءي أم قصر العراقي ومبارك الكبير الكويتي، من أبرز القضايا الخلافية بين البلدين في السنوات الأخيرة. ففي عام 2011، وضعت الكويت حجر الأساس لميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان، بتكلفة تُقدّر بـ1.1 مليار دولار، بهدف تعزيز موقعها مركزاً لوجستياً إقليمياً. وأثار المشروع اعتراضات عراقية، حيث اعتبرته بغداد تهديداً لمصالحها البحرية، خاصة أن الميناء يقع قرب خور عبد الله، الممر البحري الوحيد للعراق إلى الخليج.
ووقّع البلدان في عام 2013، اتفاقية لتنظيم الملاحة في خور عبد الله، استناداً إلى قرار مجلس الأمن رقم 833 لعام 1993، الذي أعاد ترسيم الحدود بعد غزو العراق للكويت.
إلغاء الاتفاقية وتداعياته
وفي سبتمبر/أيلول 2023، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق حكماً بعدم دستورية اتفاقية خور عبد الله، معتبرة أن المصادقة عليها لم تجر وفقاً للدستور العراقي، الذي يتطلب موافقة ثلثي أعضاء البرلمان على المعاهدات الدولية. وأثار هذا القرار استياءً كويتياً، حيث اعتبرته الكويت “ادعاءات تاريخية باطلة” واحتجت رسمياً لدى بغداد.
وعلى الرغم من الاعتراضات العراقية، أعلنت الكويت في إبريل/نيسان الجاري عن تخصيص 604 ملايين دولار لاستكمال مشروع ميناء مبارك الكبير، مع وصول نسبة الإنجاز إلى 52%. كما وقّعت الكويت مذكرة تفاهم مع الصين لتطوير المشروع، مما يشير إلى تمسكها بالمضي قدماً فيه.
في السياق، ذكر الكاتب والباحث الإيطالي جوزيبي غاليانو، رئيس مركز كارلو دي كريستوفوريس للدراسات الاستراتيجية، في تحليل نُشر بتاريخ 22 إبريل/نيسان في مجلة “نوتيتسييه جيوبوليتيكه” تحت عنوان “العراق. اتهامات لرئيس الوزراء محمد السوداني حول الاتفاقيات مع الكويت”، أن الحدود في العراق ليست مجرد مسألة جغرافية، بل مسألة قوة ونفط وذاكرة أمة.
وفي الآونة الأخيرة، تعرض رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لانتقادات شديدة لمحاولته، وفقاً لوثائق سرية، إعادة تفعيل الاتفاقية البحرية مع الكويت بشأن خور عبد الله سراً، وهي الاتفاقية التي أبطلتها المحكمة الاتحادية العليا العراقية في عام 2023.
مواقف من الاتفاق البحري
وأوضح غاليانو أن “ثمة مضيقاً استراتيجياً في قلب العاصفة: القناة التي تربط ميناء أم القصر العراقي بالخليج العربي، وتلتف حول ميناء مبارك الكبير الكويتي الجديد. والمخاطر المرتبطة بهذه القناة كبيرة للغاية: الجمارك وموارد الطاقة البحرية والسيادة والعلاقات مع دول الخليج”، مضيفاً أن “الاشتباه في أن طلب السوداني ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد من المحكمة إلغاء الحكم السابق أدى إلى فتح تحقيق جنائي وإلى هجوم سياسي داخلي. أمّا وزير النقل العراقي الأسبق عامر إسماعيل فقد اتهم رئيس الوزراء بـ”إساءة استخدام السلطة”، وعرقلة الحكم، ومنع إحالته إلى الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة”.
وتابع الكاتب الإيطالي أن “السوداني ورشيد استندا، وفقاً لتسريبات، إلى اتفاقية فيينا والمادة الثامنة من الدستور العراقي التي تفرض علاقات حسن الجوار، الأمر الذي اعتبره رئيس مجلس النواب العراقي السابق محمد الحلبوسي، استسلاماً استراتيجياً: إذ إن التخلي عن خور عبد الله قد يعني تسليم البحر والغاز والنفط والنفوذ إلى الكويت التي يزداد اندماجها في النسيج الإقليمي الأميركي – الخليجي”.
واستدرك أنه “على الرغم من ذلك، فإن ثمة إصراراً من الجانب الكويتي على مسار التعاون. وفي هذا السياق، يتحدث أستاذ التاريخ بجامعة الكويت الدكتور بدر السيف عن وجود “إشارة إيجابية”، ويعيد إطلاق فكرة التنمية المشتركة للموارد، مع اعتقاده أن الاتهامات بالضغط الاقتصادي و”الهدايا” والتدخل الدبلوماسي تغذي أجواءً من عدم الثقة”.
ورأى أن “الخلاف القائم حول حقل الدرة المتنازع عليه، ومناط طموح الكويت والسعودية وإيران، هو مجرد قمة جبل الجليد. وربما تجد بغداد نفسها سجينة عزلة مزدوجة: عدم الثقة في جيرانها، والتشرذم الداخلي”.
وختم بقوله إن “القناة التي تربط ميناء أم القصر العراقي بالخليج العربي هي نقطة تفتيش محلية صغيرة ذات قيمة استراتيجية، تلقي بظلالها على توازنات ميناء مبارك الكبير الكويتي الجديد ومنافذ العراق البحرية”.
توازنات إقليمية ومصالح جيوسياسية
من جهته، ذكر المحلل الجيوسياسي في مؤسسة “ميد-أور” الإيطالية للأبحاث إيمانويلى روسّي أنه في عالم أصبحت فيه الممرات الجيواقتصادية تلعب دوراً متزايد الأهمية، تتصاعد حساسية التوازنات الإقليمية، بينما تلامس المصالح الجيوسياسية الصرفة الاعتبارات الاقتصادية والتجارية.
وتابع روسّي، في حديث خاص لـ”العربي الجديد”، أن “العراق والكويت يجمعهما تاريخ طويل من التوترات المتراكمة. كما أن ثمة مكوناً سياسياً-أيديولوجياً يفصل قيادة بغداد القريبة نظرياً من إيران، بالنظر أيضاً إلى القاعدة الشعبية (الشيعية) الواسعة داخل البلاد”.
ورأى أن “المنطقة تشهد اليوم عملية إعادة اصطفاف براغماتية، تسعى نحو تحقيق استقرار يركز على الرخاء بدلاً من الاعتبارات الأيديولوجية”، معتبراً أن “إعادة تفعيل الاتفاق البحري مع الكويت بشأن خور عبد الله بشكل سري، من منظور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تمثل تحركاً في هذا الاتجاه، وأيضاً ثمرة لضغوط خارجية، ربما من المحتمل أن يكون مصدرها الولايات المتحدة وبعض دول الخليج”.
وأشار المحلل الإيطالي إلى أن “الرغبة في التوصل إلى استقرار تتجلى أيضاً في التقارب بين إيران وكل من السعودية والإمارات، أو في محاولات فتح قنوات حوار بين واشنطن وطهران”. وختم مستدركاً أنه “على الرغم من ذلك، فإن هذه المساعي تصطدم بمعارضة قوى داخلية في دول بعينها، تعمل على تقويض الاستقرار، وتسعى للتحرك ضد قوالب جديدة من الاستقرار، خشية فقدان ما تعتبره معاقل لمصالحها”.