من الصحافة الإيرانية: من دمشق إلى باكو… أين الفرق؟

كان هاجس إلهام علييف، مثل والده وربما أكثر منه، متوجه نحو التنمية، حتى لو كان الهدف مراكمة الثروات، لكنه سعى لمواصلة طريق والده غير المكتمل، بل وتسريعه.

ميدل ايست نيوز: نظرة الإيرانيين إلى أذربيجان الحالية، التي كانت في الماضي جزءاً من الاتحاد السوفييتي وقبل ذلك جزءاً من الوطن الأم، هي نظرة يغلب عليها الحنين؛ إلى درجة أن البعض لا يزال يُصرّ على استخدام اسم “بادكوبه” بدلًا من “باكو”. لكن كل هذه الأمور لا تتجاوز كونها تصورات ذهنية، لا يُعوّل عليها كثيرًا أمام ما نراه اليوم في باكو من تطور سريع ونمو اقتصادي وتغير في ملامح المدينة وتحديث لا يصطدم مع الحفاظ على اللغة والثقافة الأذرية، بل يجري بشكل متناغم لا يثير النفور أو شعورًا بالاغتراب، بل يقترب من الجمال.

ولو كان من المقرر أن تفقد هذه الأمة ثقافتها وهويتها، لكان ذلك قد حصل خلال 70 عامًا من الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق. ولكنهم، بحفاظهم على لغتهم وثقافتهم وأدبهم واعتزازهم برموزهم، يبرهنون أن التنمية الاقتصادية لم تأتِ على حساب الثقافة.

لفترة طويلة كانت أذربيجان الحالية جزءًا من إيران، وبرزت حينها في شكل إمبراطورية، ثم ضُمّت إلى روسيا القيصرية لتوسيع رقعتها، وبعد ذلك أصبحت جزءًا من الاتحاد السوفييتي، كجمهورية من جمهورياته، دون أن تكون جمهورية بالمعنى الحديث.

وسوريا كذلك، كانت جزءًا من الدولة العثمانية ضمن ما عُرف بـ”الشام”، وعقب انهيار تلك الإمبراطورية إثر تحالفها مع ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، نشأت سوريا الحديثة.

وكلا البلدين يتخذان اسم “الجمهورية”، ويبرران وصول الحزب الحاكم إلى السلطة عبر الانتخابات والاعتماد على “إرادة الشعب”.

في سوريا، اعتبر حزب البعث العربي الاشتراكي أن نجل الرئيس الراحل هو الأنسب لرئاسة البلاد، وطرح ذلك على استفتاء شعبي. وفي أذربيجان، قام حزب أذربيجان الوطني – الذي حلّ محل الحزب الشيوعي السابق – بالأمر ذاته، وعرض خيار انتخاب الزعيم على الشعب مع ادعاء وجود منافسة.

حتى هذه المرحلة، تبدو القصة متشابهة: كلا البلدين ورثا أنظمة مغلقة وسلطوية بعد انهيار إمبراطوريتين (السوفييتية والعثمانية).

الرئيس بشار الأسد كان طبيب عيون تماما مثل والدة إلهام علييف، وتلقى تعليمه في لندن، في حين أن إلهام علييف حصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة موسكو الحكومية، ودرّس في معهد العلاقات الدولية بموسكو بين عامي 1985 و1990 قبل انهيار الاتحاد السوفييتي.

لم يقطع الأسد الذي درس في لندن ولم يكن شيوعيًا بالظاهر، علاقته بروسيا حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وفي النهاية، كان الروس هم من أنقذوه من السقوط، وهو الآن يعيش في روسيا.

أما إلهام علييف، فقد قطع علاقته بموسكو بعد انهيار الاتحاد السوفييتي واستمرار حكم والده، وعاد إلى باكو بصفته زعيمًا لحزب أذربيجان الوطني وليس كأمين عام للحزب الشيوعي.

الهاجس هو التنمية

كان هاجس إلهام علييف، مثل والده وربما أكثر منه، متوجه نحو التنمية، حتى لو كان الهدف مراكمة الثروات، لكنه سعى لمواصلة طريق والده غير المكتمل، بل وتسريعه. ويكفي أن نقارن باكو 2025 بما كانت عليه قبل 23 عامًا لنفهم ما الذي تغيّر.

أما بشار الأسد، فلم يكن يحمل هاجس التنمية أبدًا، فدمشق عام 2024 – التي غادرها بخوف – هي أفقر بكثير من دمشق حين وصل إلى الحكم.

القصة تبدأ من هنا: إلهام علييف لم يُبقِ على تبعيته لروسيا، كما لم يبتعد عنها كليًا كما فعلت بعض الجمهوريات المستقلة الأخرى. أما بشار، فقد اقترب من روسيا بعد السوفييت أكثر مما كان في عهدهم، واعتمد عليها بالكامل.

ورغم أنه رأى مصير صدام حسين، لم يعتبر، وظنّ أن بوتين في بدايات الألفية الثالثة لم يكن بقوة كافية لينقذه من الضربات الأميركية. وفي النهاية، رأينا أن بوتين لم ينقذ سوى حياة بشار الشخصية، بينما سقط نظامه، وانهار حزب البعث.

الفرق الجوهري بين بشار الأسد وإلهام علييف هو في العلاقة مع التنمية: أحدهما عادى التنمية وتشبث بالبقاء، فلم يخطُ خطوة واحدة في سبيل التقدم، حتى صارت سوريا تتأخر يومًا بعد يوم. أما الآخر، فلم يرَ طريقًا سوى التنمية، فبنى أذربيجان الحديثة. ولكي نثبت ذلك، يكفي أن نقارن بين باكو ودمشق، لنعرف الفرق الشاسع بين المسارين.

القصة ليست مجرد حكاية عن وريثين، بل عن خيارين: أحدهما رفض مشاركة السلطة وانتهى به الحال إلى التخلي عنها، والآخر، وإن كان يحتكر السلطة، لكنه ليس غريبًا عن الثقافة الوطنية والتنمية.

 

مهرداد خدير
صحفي إيراني

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

15 − تسعة =

زر الذهاب إلى الأعلى