من الصحافة الإيرانية: هل ما زال تكرار اتفاق 2015 ممكنًا أو مفيدًا؟
كان من المتوقع أيضًا أنه مع دخول فريق الخبراء الأميركيين –المكوّن من دبلوماسيين محترفين، وخبراء تقنيين في المجال النووي، وقانونيين– ستظهر التعقيدات الحقيقية.

ميدل ايست نيوز: ما جرى يوم السبت الماضي في إيران، من دخول المفاوضات النووية مرحلة صعبة، بالتزامن مع الانفجارات العنيفة التي هزّت أهم موانئ البلاد وأودت بحياة العديد من الأشخاص، شكّل تحذيرًا جديدًا للسلطات بأن الأساليب المتّبعة خلال العقود الماضية لم تعد مجدية، وأن إدارة الأمور عبر حلول ترقيعية وتكتيكية لن تفضي إلى نتائج.
فيما يتعلّق بالمفاوضات، فقد جاءت تصريحات الدكتور عباس عراقجي بعد الجولة الثالثة مختلفة بعض الشيء عن تصريحاته السابقة؛ إذ قال: “نحن نأمل، لكن بحذر شديد… المفاوضات كانت أكثر جدية من السابق… هناك خلافات على المستويين الكلي والتفصيلي”. لم تكن هذه النتيجة مفاجئة، إذ كان من الواضح منذ البداية أن “الشيطان يكمن في التفاصيل”، وأن المسائل الفنية والقانونية الشائكة، في ظل حساسية سياسية شديدة، ستكون الجزء الأصعب في هذه المفاوضات.
وكان من المتوقع أيضًا أنه مع دخول فريق الخبراء الأميركيين –المكوّن من دبلوماسيين محترفين، وخبراء تقنيين في المجال النووي، وقانونيين– ستظهر التعقيدات الحقيقية. إلا أن المفاجأة غير المتوقعة تمثّلت في تعيين مايكل أنتون على رأس الفريق الاستشاري؛ وهو ليس دبلوماسيًا محترفًا ولا براغماتيًا، بل عمل لعامين خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب كمفكر محافظ في مجلس الأمن القومي.
مشكلة أخرى برزت في المستوى الفني تمثّلت في انضمام خبراء من وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين. فحتى وقت قريب، كانت النظرة السطحية لأمثال ترامب وويتكوف هي السائدة، ولا يُعلم ما إذا كان الأمر سيبقى كذلك. دخول هؤلاء الخبراء المعنيين بالملف النووي والعقوبات يعيد إلى الأذهان الحساسيات التي كانت حاضرة في مفاوضات الاتفاق النووي عام 2015، وهو ما قد يؤدي إلى تعقيد الأمور مجددًا. هذه التعقيدات، إن تقاطعت مع التوترات السياسية، قد تتضاعف وتصبح إشكالية.
ورغم أن سيطرة الجمهوريين على الكونغرس قد تسهّل على ترامب تمرير أي اتفاق، إلا أنه سيكون حذرًا من التبعات السياسية المحتملة في قاعدته الانتخابية، خاصة مع اتهامات بتكرار اتفاق 2015. يضاف إلى ذلك أن نتائج الاستطلاعات الأخيرة التي أظهرت رفض 59% من الأميركيين لسياسته الاقتصادية، من شأنها أن تُطلق إنذارات داخل فريقه.
الأمر نفسه ينطبق على بنيامين نتنياهو ولوبي إسرائيل في الولايات المتحدة. فعلى عكس عام 2015، لا يملك نتنياهو اليوم دعمًا داخل واشنطن، ولن يكون قادرًا هذه المرة على الوقوف علنًا ضد ترامب كما فعل مع أوباما، وإن كانت المؤشرات تدلّ على أنه لن يلتزم الصمت.
وسط هذه التعقيدات، يبرز سؤال مهم أمام صناع القرار في طهران: هل تكرار اتفاق شبيه بـ«اتفاق 2015» ما زال مفيدًا في ظل الظروف الحالية؟ لا شك أن الاتفاق النووي السابق، ضمن الإطار الزمني الذي أُبرم فيه، كان اتفاقًا مناسبًا وحقق أهدافًا واقعية. ولو لم يأتِ أكثر رؤساء أميركا تطرفًا، لكان الاتفاق قد أثمر نتائج أفضل. فالاتفاق ركّز على بناء الثقة بشأن عدم تصنيع قنبلة نووية، مقابل رفع العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي، وكان بطبيعته ذا طابع أحادي الموضوع، ما جعل بعض العقوبات تُرفع، وبعضها الآخر يبقى. هذا ما أدى إلى استمرار حالة الغموض والشك لدى الشركات والبنوك العالمية، وكانت لذلك تبعات داخلية في إيران والولايات المتحدة على حد سواء.
الخيار الجديد الذي يمكن لإيران التفكير فيه هو الخروج من إطار الاتفاق النووي السابق، والبحث عن اتفاق شامل مع الولايات المتحدة، هدفه رفع كامل لجميع العقوبات، سواء الأولية أو الثانوية. وفي هذا السياق، فإن التصريحات الإيجابية التي ظهرت مؤخرًا بشأن تشجيع الاستثمارات الأميركية في إيران والتعاون في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، تبعث على التفاؤل. لكن من دون رفع العقوبات بجميع أنواعها، ووجود حد أدنى من التمثيل الدبلوماسي الأميركي في إيران –ولو عبر مكتب لرعاية المصالح– فإن هذا الهدف سيكون مستحيلًا.
أما انفجار مرفأ الشهيد رجائي، الذي وقع تزامنًا مع الجولة الثالثة من المفاوضات، فهو مؤشر آخر على أن المجتمع والاقتصاد الإيراني لم يعودا يحتملان استمرار الظروف الاستثنائية. سواء أكان هذا الانفجار الإرهابي أم ناتجًا عن سوء إدارة خطير، فهو نتيجة مباشرة للخلل المزمن الذي تسببت فيه العقوبات والتوتر مع الخارج.
إن العقوبات لا تدمّر الاقتصاد فقط؛ بل تعيق الكفاءة وتُضعف الانضباط والقانون داخل المؤسسات. الجهود المبذولة للالتفاف على العقوبات تؤدي إلى انتشار الفوضى، وتغليب العلاقات الشخصية على القوانين، وانعدام المسؤولية، ونمو شبكات مافيوية داخل الدولة. لهذه الأسباب وغيرها، بات من الضروري أن تفكر القيادة في طرح جديد وجذري.
كوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق