من الصحافة الإيرانية: الدبلوماسية الأوروبية ومعضلة إيران
على عكس التصور السائد، إيران بالنسبة لأوروبا ليست مجرد قضية نووية. طهران، كقوة إقليمية، تلعب دورًا محوريًا في التوازن الأمني في غرب آسيا، ولها حضور حاسم في قضايا الطاقة والهجرة والإرهاب وحتى استقرار القوقاز وآسيا الوسطى.

ميدل ايست نيوز: في هندسة العلاقات الدولية المعقدة، تعدّ الدبلوماسية بمثابة البوصلة التي تحدد الطريق بين المصالح والقيم والواقع. ولكن، عندما يغشي ضباب الحسابات الجيوسياسية وجه اللاعبين، تصبح هذه البوصلة غير مستقرة في تحديد المسار. هذه الحالة اليوم تظلل علاقات إيران مع ثلاث قوى رئيسية في أوروبا – فرنسا وألمانيا وبريطانيا – صحيحٌ أن هذه العلاقات ليست عدائية بشكل كبير، لكنها باردة بوضوح وغير يقينة، تستمر في فضاء من الشك والتوازن الهش.
تغرق أوروبا في تناقضاتها الداخلية خلال تعاملها مع إيران، أكثر من أي وقت مضى. فمن جهة، ثمة رغبة في الحفاظ على هيكل الدبلوماسية متعددة الأطراف وتعزيز دورها كفاعل مستقل في المعادلات العالمية، ومن جهة أخرى، هناك ضغوط متزايدة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والقوى العابرة للحدود. هذا التناقض حولّ الدبلوماسية الأوروبية إلى سلوك يبدو متوازنًا في الظاهر لكنه في جوهره يعاني من الحذر المعرقل.
على عكس التصور السائد، إيران بالنسبة لأوروبا ليست مجرد قضية نووية. طهران، كقوة إقليمية، تلعب دورًا محوريًا في التوازن الأمني في غرب آسيا، ولها حضور حاسم في قضايا الطاقة والهجرة والإرهاب وحتى استقرار القوقاز وآسيا الوسطى. مع ذلك، يعاني جهاز صنع القرار في أوروبا من نظرة مرحلية وأحيانًا أيديولوجية تجاه طهران؛ نظرة لا تزال محاصرة في إطار الأزمات الماضية وتحرِم من القدرة على تحليل التحولات الإقليمية الحديثة.
في ظل هذا الضباب الذهني، تفتقر المحادثات مع إيران إلى التماسك الاستراتيجي. بينما تظل القنوات الرسمية نشطة، إلا أن غياب المبادرات السياسية، والرسائل المتناقضة في وسائل الإعلام، والصمت المعنوي في اللحظات الحساسة، كلها تشير إلى وجود فراغ إرادي حقيقي للخروج من الجمود. أوروبا تريد الحفاظ على التوازن، لكنها عمليًا لا تقترب بما يكفي لتكون مؤثرة في فضاء من انعدام الثقة، ولا تبتعد بما يكفي لتقدم مسارًا بديلاً.
إيران على الضفة الأخرى، وبدافع من إدراكها لهذه الشكوك، قد تنوعت في مسار سياستها الخارجية. فالتفاعل مع الشرق وتطوير التحالفات الإقليمية وتعزيز أدوات المقاومة الاستراتيجية هي جزء من الإجابة على هذه الفجوة الغامضة. أدركت طهران بشكل صحيح أن أوروبا في الوقت الحالي ليست شريكًا بقدر ما هي مراقب – وربما لا يكون هذا المراقب نتيجة للاختيار، بل نتيجة للهياكل التي تحد من قدرة أوروبا على اتخاذ قرارات مستقلة.
ومع ذلك، ليست جميع الأبواب مغلقة. فإذا رغبت أوروبا في أن تجد لنفسها مكانًا جادًا في خارطة طريق إيران مجددًا، فهي بحاجة إلى إعادة تفكير جوهري في طريقة الحوار: الانتقال من الدبلوماسية العرضية وإعادة تعريف مفاهيم الأمن وقبول الدور المتبادل لإيران كشريك ذو قدرة كامنة، وليس مجرد تهديد يمكن احتواؤه. فقط في هذه الحالة سيتراجع الضباب وتستعيد بوصلة الدبلوماسية الأوروبية القدرة على تحديد الاتجاه في المسار المعقد لإيران.
في النهاية، السؤال المحوري لهذا التسلسل: هل أوروبا مستعدة لعبور الظلال والوقوف في ضوء القرار؟ أم أنها ستظل تفضل الحفاظ على التوازن في الضباب، حتى وإن كان ثمن ذلك فقدان فرصة حوار فعّال؟
كامران يكانكي
باحث في قسم العلوم المعرفية والتكنولوجيا والحوكمة