من الصحافة الإيرانية: التغييرات في إدارة ترامب وتأثيرها على المفاوضات مع طهران

لا شك أن تأجيل الجولة الرابعة لا يمكن عزوه فقط إلى الأسباب اللوجستية، بل من المرجّح أن تكون هناك عوامل أخرى مرتبطة بجوهر المفاوضات لعبت دوراً في هذا التأجيل.

ميدل ايست نيوز: أثار إعلان بدر البوسعيدي، وزير خارجية سلطنة عمان، بشأن تأجيل الجولة الرابعة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة لأسباب لوجستية، ردود فعل وتكهنات متعددة من الجانبين المشاركين في المفاوضات.

لا شك أن تأجيل الجولة الرابعة لا يمكن عزوه فقط إلى الأسباب اللوجستية، بل من المرجّح أن تكون هناك عوامل أخرى مرتبطة بجوهر المفاوضات لعبت دوراً في هذا التأجيل.

قبل كل شيء، يجب أخذ هذه الحقيقة العامة بعين الاعتبار: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شخصية غير قابلة للتنبؤ، وهذه السمة تظهر بوضوح في قراراته وسلوكياته في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية العالمية، ولذلك فإن هذا الطابع لا يمكن تجاهله فيما يخص المفاوضات مع إيران.

النقطة الثانية تتعلق بوجود انقسامات داخل فريق ترامب حول المفاوضات والاتفاق المحتمل مع إيران. وقد أدت هذه الانقسامات إلى تغييرات كبيرة في حكومة ترامب حتى بعد مرور مئة يوم فقط على بداية ولايته.

وقد تم إعفاء “مايك والتز”، مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، المعروف بتشدده ودعمه للنهج المتشدد تجاه إيران، من منصبه وتعيينه ممثلاً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة. وفي الوقت ذاته، طُرحت احتمالات إقالة عدد من مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية بسبب مواقفهم المتشددة.

ومن أبرز هذه التغييرات، تعيين “ماركو روبيو”، وزير الخارجية الأمريكي، مستشاراً للأمن القومي للبيت الأبيض.

وقد أدت هذه التعديلات إلى ظهور تكهنات بأن حكومة ترامب أصبحت موحدة في توجهاتها بشأن المفاوضات النووية مع إيران وربما أيضاً في سياساتها العالمية الأخرى.

ومن الجدير بالذكر أنه قبل تعيين ماركو روبيو في منصبه الجديد، كان على تواصل مستمر ومفاوضات قريبة مع نظرائه في بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وكانت هناك أنباء في تلك الفترة تشير إلى أن الدول الأوروبية الثلاث المذكورة تسلك مساراً منفصلاً عن الولايات المتحدة في ما يتعلق بالتعامل مع إيران، حيث كانت تركز أكثر على تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات تلقائياً المعروفة بآلية الزناد، وهو ما لا يتفق مع نهج ترامب.

وكان من المقرر أن يعقد نواب وزراء خارجية إيران والدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) لقاءً على هامش الجولة الرابعة من المفاوضات في روما، إلا أن هذا الاجتماع أيضاً تأجل بسبب تأجيل المفاوضات بين إيران وأمريكا.

وهنا يطرح السؤال نفسه: هل سيتمكن ماركو روبيو، بصفته وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في آن واحد، من تنسيق المواقف داخل الإدارة الأمريكية ومع الحلفاء الأوروبيين بشأن إيران؟

يُشار إلى أن روبيو، بحكم منصبه كمستشار للأمن القومي، يتولى مسؤولية التنسيق بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع وسائر الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية، وبالتالي فإن توصيات مجلس الأمن القومي، في حال تحقق التوافق بين أعضائه، يمكن أن تشكل الأساس لقرارات الرئيس الأمريكي في القضايا الدولية، ومن بينها المفاوضات مع إيران.

وفي كل الأحوال، يبقى أن نرى مدى قدرة روبيو على تحقيق النجاح في هذا السياق. كما لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الجولة الرابعة من المفاوضات ستبقى تحت إشراف ستيف ويتكوف، أو ما إذا كانت وزارة الخارجية الأمريكية ستضطلع بدور أكبر في إدارة المفاوضات.

عامل آخر قد لا يكون بالكامل تحت سيطرة الحكومة الأمريكية يتمثل في سلوك وردود فعل إسرائيل تجاه الاتفاق مع إيران. فإسرائيل لا تزال تُصر على تفكيك جميع المنشآت النووية الإيرانية، بينما ماركو روبيو وربما ترامب نفسه يفضلان التوصل إلى اتفاق مشابه للاتفاق النووي لعام 2015.

ويُذكر في هذا السياق أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة، التي أشار فيها إلى إمكانية احتفاظ إيران بمنشآتها النووية مقابل استيراد اليورانيوم من الخارج، قوبلت برفض شديد من إيران، التي تؤكد على ضرورة الحفاظ على دورة التخصيب والإنتاج المحلي لليورانيوم.

وفي ظل هذه المعطيات، يُطرح تساؤل مركزي: هل نحن أمام وضع معقد تتداخل فيه عوامل متعددة؟ أولاً، ترامب قد يغير رأيه في أي لحظة. ثانياً، ماركو روبيو، بصفته وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، يبدو أنه استطاع التنسيق بين المواقف المختلفة داخل الإدارة الأمريكية.

وفي هذا الإطار، لفت أحد مستشاري ترامب الإيرانيين إلى أن: “رغم أن ترامب يحب الصفقات، إلا أن الدخول في صفقة معه أمر بالغ الخطورة”.

وفي ضوء هذه الظروف، هل ستجعل شخصية ترامب وسلوكه، إلى جانب العوامل الأخرى، عملية التفاوض مع الرئيس الأمريكي أكثر خطورة وتعقيداً؟

أليس من الأفضل لترامب وفريقه، في سبيل إيجاد حل لهذا الخلاف، أن يستفيدوا من دروس الماضي الثقيلة والمكلفة، وأن يظهروا بعض المرونة للوصول إلى اتفاق متوازن ومقبول للطرفين؟

لا شك أن الجواب هو نعم. فواحدة من العوامل الأساسية التي أسهمت في نجاح هنري كيسنجر كانت واقعيته، ومرونته عند الضرورة.

عبدالرضا غفراني
دبلوماسي متقاعد وخبير كبير في العلاقات الخارجية

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 + 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى