من الصحافة الإيرانية: ما العقبات التي تعترض طريق استثمار الشركات الأمريكية في إيران؟
إن رأس المال في اقتصاد السوق يخضع لمنطق السوق وليس للأوامر الحكومية؛ لذلك لا ينبغي توقّع أن يتحقّق استثمار الشركات الأمريكية في إيران بناءً على رغبة أو إرادة حكومة ترامب.

ميدل ايست نيوز: في مقال نشره في صحيفة “واشنطن بوست”، كتب عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، أن الاتفاق النووي الجديد قد يتيح للشركات الأمريكية الوصول إلى فرصة اقتصادية بقيمة تريليون دولار في دولة ذات تعداد سكاني يبلغ 90 مليون نسمة واحتياطيات ضخمة من النفط والغاز.
لكن إلى أي مدى يمكن لهذا الادعاء أن يصبح قابلاً للتنفيذ عملياً؟ بافتراض رفع العقوبات، وخروج إيران من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF)، وتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، ما العقبات الأخرى التي لا تزال تعترض طريق استثمار الشركات الأمريكية في إيران؟
1- إن رأس المال في اقتصاد السوق يخضع لمنطق السوق وليس للأوامر الحكومية؛ لذلك لا ينبغي توقّع أن يتحقّق استثمار الشركات الأمريكية في إيران بناءً على رغبة أو إرادة حكومة ترامب. لكن ما هو منطق رأس المال؟ إن رؤوس الأموال الحرة من سيطرة الحكومات تبحث عن بيئات توفر أعلى ربح بأقل تكلفة مع ضمان الأمن.
وتسعى الحكومات التنموية إلى جذب الاستثمار الأجنبي من خلال بذل كل جهد لتأمين وضمان مثل هذه البيئة؛ ويُعرّف هذا النهج في الاقتصاد السياسي تحت مفهوم «تدويل السيادة». ولضمان ربحية رأس المال، يجب على الحكومات المضيفة تقليل القوانين والقيود لتقليل التكاليف على رأس المال، والحفاظ على التضخم قريباً من الصفر لضمان الأرباح حتى ولو على حساب ارتفاع معدل البطالة، كما يجب أن تضبط البيئة السياسية لكبح المطالب السياسية الداخلية التي تنبع من تعارض مصالح اللاعبين الاقتصاديين المحليين مع رؤوس الأموال الدولية، حتى لا تؤدي حالة من انعدام الأمن أو عدم الاستقرار إلى هروب رأس المال، كما ينبغي أن تعمل وفق سياسات تقشفية لتقييد الاستهلاك المحلي بهدف تمكين تراكم رأس المال الداخلي.
في المقابل، تعتمد رؤوس الأموال العالمية على مؤشرات صادرة عن مؤسسات دولية ومرتكزة على منهجيات علمية موثوقة لتحديد البيئات المناسبة للاستثمار. وبناءً على هذه المؤشرات، يُقدّم وضع الدول في تصنيفات دورية وتكون الإحصاءات بمثابة دليل لاستثمار رؤوس الأموال. ومن المفيد إلقاء نظرة على وضع إيران في بعض من هذه المؤشرات.
وفقاً لإحصاءات معهد “ليغاتوم”، احتلت إيران في عام 2023 المرتبة 147 من أصل 167 دولة في جودة التشريعات، والمرتبة 156 في حماية المستثمر، والمرتبة 140 في النظام المالي، والمرتبة 140 في القيود على الاستثمار الدولي، والمرتبة 167 في انحراف الأسعار، والمرتبة 156 في العبء التنظيمي، والمرتبة 162 في اضطرابات السوق، والمرتبة 129 في بيئة الاستثمار، والمرتبة 162 في بيئة الأعمال، والمرتبة 138 في جودة الاقتصاد، والمرتبة 141 في حقوق الملكية، والمرتبة 149 في إدراك الفساد. وتكشف هذه الإحصاءات عن السبب وراء تسجيل ميزان الاستثمار في إيران أرقاماً سلبية، ومواجهة البلاد لظاهرة هروب رأس المال، سواء المادي أو البشري. فرؤوس الأموال الصغيرة والكبيرة إما تتحول إلى ذهب وعملات أجنبية في الداخل، أو إلى عقارات وأصول في الخارج. إن الحاجة إلى الاستثمار كبيرة جداً، لكن البيئة غير المناسبة تدفع برؤوس الأموال إلى الهروب. ولا يمكن تهيئة بيئة استثمار مناسبة إلا من خلال تغييرات جذرية وهيكلية.
بعبارة أخرى، فإن جذب استثمارات بحجم ألف مليار دولار يتطلب، إضافة إلى الرفع الكامل للعقوبات والانضمام إلى الأنظمة المالية الدولية والقيام بإصلاحات هيكلية في الاقتصاد الوطني. لكن الهيكل الاقتصادي الحالي، الذي باتت عيوبه واضحة وفق المؤشرات المعتبرة، له مستفيدون ينتفعون من مخرجاته؛ وهم اللاعبون الذين يعارضون أي تغيير في قواعد وأسس هذا الهيكل ويقاومونه.
2- المسؤولون في إيران يصلون دائماً متأخرين. فعندما يسعى الجميع إلى جذب الاستثمارات الأجنبية والانضمام إلى سلاسل الإنتاج العالمية، يبحث هؤلاء عن الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي، وعندما تكون نافذة تحرّك رؤوس الأموال العالمية توشك على الإغلاق، يتذكرون فجأة أهمية جذب الاستثمارات الأجنبية.
إن حكومة دونالد ترامب كانت رائدة في تغيير قواعد اللعبة على المستوى العالمي. حيث صرّح ترامب بوضوح أن الشركات الكبرى العالمية، إذا أرادت تجنّب أضرار الرسوم الجمركية، يجب أن تنقل إنتاجها إلى داخل الولايات المتحدة. كما قدّم مشروعاً طموحاً في مجال الذكاء الاصطناعي بقيمة 500 مليار دولار، لا يعتزم تخصيص بند له في الميزانية الحكومية، بل يُفترض أن يتم تمويله من رؤوس أموال خارج الولايات المتحدة، بما في ذلك من الخليج والشرق الآسيوي.
كما ينصّ مشروع آخر على بيع الإقامة في الولايات المتحدة مقابل استثمار بقيمة خمسة ملايين دولار داخل البلاد. وهذا يعني أنه في النظام الجديد، تسعى أمريكا إلى تحقيق توازن إيجابي في استثماراتها مقارنة بمنافسيها لكي تكون الرابح في اللعبة بناءً على منطق المكاسب النسبية. فهل يُعدّ، في مثل هذا النظام، توقّع دخول استثمارات أمريكية إلى إيران بحجم ألف مليار دولار، توقعاً منطقياً ومبرراً؟