كيف ساهمت التيارات المتشددة في أميركا في دس السم في المفاوضات النووية؟
لم تلتزم التيارات المتشددة في الداخل الأمريكي الصمت خلال أي من الجولات الثلاث للمفاوضات بين طهران وواشنطن، بل استغلت جميع الأدوات المتاحة لتوجيه الرأي العام داخل الولايات المتحدة والتأثير على فريق التفاوض الأمريكي.

ميدل ايست نيوز: تعيش المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن حالة من الجمود، في وقت لم تلتزم فيه التيارات المتشددة في الداخل الأمريكي الصمت خلال أي من الجولات الثلاث للمفاوضات، بل استغلت جميع الأدوات المتاحة، بما فيها اللوبيات ومراكز النفوذ، لتوجيه الرأي العام داخل الولايات المتحدة والتأثير على فريق التفاوض الأمريكي. في هذا السياق، كانت الاستفادة من التكتيكات الإعلامية من أبرز الوسائل التي تم توظيفها لتشويه صورة إيران أمام الرأي العام الأمريكي، وتنسيق المواقف مع اللوبيات الصهيونية في واشنطن. ويُعتقد أن اللوبيات الصهيونية هي من أكثر الجماعات الأجنبية تأثيراً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في تاريخها المعاصر.
وفي سياق تحليل هذا الدور، تم تقديم أمثلة متعددة على محاولات العرقلة، إلى جانب قراءات تحليلية وردت في مقالات وتقارير أمريكية معتبرة. في البداية، تم تسليط الضوء على مقال نشرته صحيفة نيويورك بوست تحت عنوان: “لا تنخدع بالاتفاق الإيراني يا سيادة الرئيس”، حيث يذهب كاتب المقال إلى أن الحكومة الإيرانية تستخدم الحوار والدبلوماسية كأداة لكسب الوقت، وترسيخ مكاسبها النووية المدمّرة – بحسب تعبيره. ويضيف المقال أن أي اتفاق مستقبلي لا يتضمّن آليات دقيقة للتحقق، سيُفضي فقط إلى إضفاء الشرعية على الأنشطة النووية الإيرانية.
وفي مثال ثانٍ، تناول تحليل صادر عن مركز يُعرف باسم “مركز السياسات الأمنية” (CSP) في الولايات المتحدة، موقفًا رافضًا لأي اتفاق مع إيران، حتى وإن كان ناجحًا في كبح برنامجها النووي، ما لم يترافق ذلك مع تغيير في سلوك طهران الإقليمي. ويرى محللو المركز أن السياسة المثلى للولايات المتحدة ينبغي أن تقوم على فرض عقوبات مشددة وتشكيل تحالفات إقليمية مناوئة لإيران والاستعداد الجاد للخيار العسكري ضد طهران؛ باعتبار أن هذه السياسات وحدها يمكن أن تدفع إيران إلى تعديل سلوكها بشكل جذري وأصيل.
وفي إطار رصد ممارسات اللوبيات الصهيونية في الداخل الأمريكي، تم الرجوع إلى مقال نقدي نُشر في مجلة أمريكان كونسيرفاتيف، حيث أشار كاتبه إلى الأنشطة المختلفة التي تقوم بها هذه اللوبيات، وقام بتحليل أدواتها المعقدة التي تُستخدم لتقويض العملية الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران. ومن بين الأدوات التي تم استعراضها: ضخّ الأموال في الحملات الانتخابية لمرشحي الكونغرس ومجلس الشيوخ، وتهديد النواب بقطع الدعم المالي عنهم خلال فترة ولايتهم إذا لم يعارضوا مسار التفاوض مع إيران. واعتبر كاتب المقال أن هذه الأساليب تُستخدم بغرض هندسة السياسة الخارجية الأمريكية، وخلص إلى أن نفوذ هذه اللوبيات لا يهدد استقلال القرار الخارجي الأمريكي فحسب، بل يحرم واشنطن من فرصة إرساء قدر من الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وفي مادة صحفية أخرى نُشرت في مجلة بروكينغز، تناول الكاتب الأبعاد المختلفة لتأثير اللوبيات الموالية لإسرائيل في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران. وخلص المقال إلى أن أنشطة هذه اللوبيات دفعت الولايات المتحدة بعيدًا عن مسار الدبلوماسية، وساهمت في دفعها نحو التصعيد والمواجهة. واستشهد المقال بنجاحات سابقة لهذه اللوبيات، منها إفشال تمرير الاتفاق النووي (JCPOA) في الكونغرس عام 2015، وتحفيز الرئيس السابق دونالد ترامب على الانسحاب منه في عام 2018. وأكد الكاتب أن هذه اللوبيات عطّلت قدرة السياسة الخارجية الأمريكية على اتخاذ قرارات مستقلة منسجمة مع المصالح الوطنية وأسهمت في زعزعة استقرار المنطقة.
وأشار مقال آخر نُشر في مجلة نيويوركر تحت عنوان “اللوبي“، إلى أن الخطاب السائد في السياسة الخارجية الأمريكية قد تأثّر بوضوح بأنشطة هذه الجماعات، ما أدى إلى ترسيخ سرديات مثل: “إيران دولة غير قابلة للإصلاح”، أو “أي اتفاق يعني القبول بإيران نووية”، وهي روايات غيّرت من توجهات صانعي القرار وحتى الرأي العام، وأدت إلى التشاؤم من المسار الدبلوماسي مع طهران.
وفي السياق نفسه، تطرقت مؤسسة كارنيغي إلى تأثير هذه اللوبيات، وذلك في مقال بعنوان: “مركز أبحاث صغير تمكّن من التأثير”، حيث أوضح المقال كيف تمكن محافظون مرتبطون بلوبيات مؤيدة لإسرائيل، حتى من داخل مراكز بحثية صغيرة، من ممارسة تأثير فعلي على السياسات الأمريكية الكبرى تجاه إيران. وأشار المقال إلى أن هؤلاء الباحثين قاموا بإنتاج محتوى يرفض أي انفتاح دبلوماسي تجاه طهران، ونشطوا في وسائل الإعلام لممارسة ضغط مباشر على صناع القرار السياسي داخل الولايات المتحدة. وخلص المقال إلى أن التأثير التراكمي لهذه المراكز، رغم حجمها الصغير، كان له دور جوهري في توجيه السياسة الرسمية الأمريكية نحو التصعيد المستمر مع إيران.
ختاما، بعد مراجعة سريعة للمقالات المؤيدة للوبيات الصهيونية وتحليل الأنشطة المختلفة التي تقوم بها هذه اللوبيات ضد إيران، يمكن استخلاص أبرز التكتيكات التي استخدمتها وهي: إثارة الشكوك حول إيران، المبالغة في تهديدات إيران الوشيكة والفورية، فرض شروط غير واقعية وصارمة، تقديم تقارير أمنية موجهة، إحياء خطاب “محور الشر”، وأخيرًا الضغط على الكونغرس والبيت الأبيض بتقديم هذه القضايا بشكل مباشر أو عبر وسائل الإعلام. جميع هذه التكتيكات كانت تهدف إلى تقويض مسار الدبلوماسية مع إيران.
رضا شريفي
صحفي إيراني وناشط سياسي