من الصحافة الإيرانية: آفاق المفاوضات الإيرانية الأمريكية
يشير الواقع إلى أن ترامب، مع ما يتمتع به من صلاحيات واسعة، يحتاج إلى التوصل لاتفاق مع إيران يكون قادراً على خلق إجماع داخلي لتنفيذه في الولايات المتحدة.

ميدل ايست نيوز: توقفت الجولة الجديدة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، المعروفة باسم “دبلوماسية السبت”، بعد ثلاثة أسابيع من الانعقاد المتتالي والمنظّم.
ورغم أن هذا التوقف جاء على خلاف توقعات الرأي العام الذي كان يرى في استمرار المباحثات مؤشراً على تقدمها، إلا أن حصول مثل هذا التوقف في هذا المستوى من المفاوضات، بالنظر إلى تعقيد أبعادها وزواياها، وكذلك تعدد العوامل المباشرة وغير المباشرة المؤثرة فيها، سواء في مسار المفاوضات أو في تنفيذ أي اتفاق محتمل، خصوصاً داخل منظومة صنع القرار في الولايات المتحدة، يُعد أمراً طبيعياً.
ورغم أن دونالد ترامب، من حيث أسلوبه الإداري وسلوكه الشخصي، يؤكد على سرعة وحتمية التفاوض والتوصل إلى اتفاق مع إيران، إلا أن الواقع يشير إلى أن ترامب، مع ما يتمتع به من صلاحيات واسعة، يحتاج إلى التوصل لاتفاق مع إيران يكون قادراً على خلق إجماع داخلي لتنفيذه في الولايات المتحدة.
فالعقبة الرئيسية التي يواجهها ترامب في ما يتعلق بالمفاوضات والاتفاق مع إيران، ليست إيران بحد ذاتها، بل البنية السياسية وصنع القرار في أمريكا التي يجب أن تتعاون معه في هذا المسار.
وفي هذا السياق، يواجه ترامب مشكلتين أساسيتين لا تعاني إيران من مثلهما. الأولى هي تعدد وتباين الرؤى، وأحياناً تعارضها بشكل حاد داخل منظومة صنع القرار الأمريكية تجاه إيران، بما يشمل الإدارة الأمريكية والكونغرس وبعض القوى والعناصر الخفية، التي رغم أن حضورها يبدو محدوداً حالياً، إلا أنها ستبرز بشكل أوضح مع تقدم المفاوضات.
هذه التوجهات، المتأثرة بعداء دام أربعين عاماً بين إيران والولايات المتحدة، تحولت إلى قضية حساسة ومبدئية، ومن الطبيعي أن يكون التقارب بينها صعباً ومعقداً لأسباب سياسية وأمنية وأيديولوجية واقتصادية.
وفي ظل الصراع السياسي القائم داخل النظام الأمريكي حول إيران، إضافة إلى ملفات أخرى مثل روسيا وأوكرانيا والحرب التجارية، لا يستطيع ترامب، رغم جرأته وحزمه، أن يعالج هذه الملفات دفعة واحدة.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل التحركات المكثفة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، الذي يمتلك نفوذاً واسعاً داخل منظومة صنع القرار في واشنطن. نتنياهو، الذي لم يعد قادراً على التأثير المباشر على فكر ترامب تجاه إيران، يسعى إلى التأثير عبر مقربيه، غير أن هذه المحاولات لم تُثمر حتى الآن.
وتظهر المواقف الحذرة التي يتخذها ترامب خلال المفاوضات مدى صعوبة مساعيه لتكوين إجماع نسبي حول هذا الملف. فهو من جهة يؤكد على إنهاء كامل لبرنامج التخصيب النووي الإيراني (في محاولة لكسب تأييد التيار المعادي لإيران في الداخل الأمريكي)، ومن جهة أخرى، يتحدث عن إمكانية قبول حدّ أدنى من التخصيب بهدف إبقاء إيران على طاولة المفاوضات، وهو ما يعكس توازناً محسوباً في تصريحاته.
المشكلة الثانية تتعلق بتعقيد وتشعب منظومة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. فالعقوبات تشكل الوجه الآخر من المفاوضات بين إيران وأمريكا. ورغم أن البُعد التفاوضي هو الأساس ويفتح الطريق نحو نقاش ملف العقوبات، إلا أن الواقع يُظهر أن التوصل إلى تفاهم حول الملف النووي أسهل بكثير من مسألة رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية، نظراً للتعقيد الكبير في بنيتها القانونية والتشريعية، وارتباط رفعها بإجماع وتنسيق داخلي، خصوصاً مع الكونغرس الأمريكي. إذ على ترامب أن يخوض معركة على جبهتين داخل منظومة الحكم الأمريكية، وهو ما يتطلب منه دفع أثمان سياسية داخلية.
ومع التأكيد على أن ترامب لا يسعى إلى الحرب مع إيران، فإن عدم التوصل إلى اتفاق سيعزز احتمال المواجهة، وبالتالي فإنه سيحاول بالتأكيد إيجاد إجماع نسبي داخل الإدارة الأمريكية. لكن هذه المساعي لا يمكن أن تطول، إذ يجب عليه أن يحسم ملفات إيران وروسيا وأوكرانيا قبل انتخابات الكونغرس في عام 2026، التي قد تغيّر تركيبة مجلسي الشيوخ والنواب لصالح الديمقراطيين.
ومن هذا المنظور، فإن يد ترامب ووفده التفاوضي ليست مطلقة في التوصل إلى اتفاق بأي ثمن مع إيران. بل يجب أن يكون الاتفاق قابلاً للتطبيق، خصوصاً في ما يتعلق برفع العقوبات، وهو ما يفرض واقعية على الجانب الإيراني في قراءة المشهد، بعيداً عن الرؤية الثنائية (كل شيء أو لا شيء).
ورغم أن المؤشرات توحي بإمكانية التوصل إلى اتفاق يُرضي الطرفين، إلا أن غياب هذا الرضا المتبادل سيمنع بطبيعة الحال الوصول إلى أي اتفاق.
ومن المتوقع أن تُستأنف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة يوم الأحد المقبل في مسقط، وفق ما قالت وسائل إعلام إيرانية وأخرى أميركية.
ويعد تغيير مستشار الأمن القومي السابق، والتز، الذي يُعتقد أنه مرتبط بملف المفاوضات مع إيران، خطوة تعزز الجانب اللوجستي في الفريق التفاوضي الأمريكي.
من جهة أخرى، فإن دخول الجانبين في التفاصيل الدقيقة أظهر تعقيد المفاوضات وصعوبتها، وهو ما يدفع الطرفين إلى دراسة الخيارات المختلفة والتخطيط لها بعناية.
فشل ترامب في إنهاء الحرب في أوكرانيا، رغم وعوده بإنهائها بسرعة، يمنحه حافزاً إضافياً لتحقيق اختراق في الملف الإيراني. ففي حين يمكنه الانسحاب بسهولة من الحرب الأوكرانية من خلال وقف الدعم العسكري والاقتصادي، إلا أن الأمر مختلف في ما يتعلق بإيران، حيث إن عدم التوصل إلى اتفاق قد يُمهّد الطريق لدخول أمريكا في مواجهة مباشرة، وهو ما يُعدّ خطاً أحمر بالنسبة لترامب.
وتحمل الجولة الجديدة من المفاوضات الكثير من التقلبات نظراً لتشابك الموضوعات، وتسريع وتيرتها وتفعيل فرق الخبراء قد يكون في مصلحة الطرفين، وهو ما يُتوقع حدوثه.
ومع ذلك، وبعكس التوقعات السائدة، لا يمكن تصوّر مسار واضح وسلس للمفاوضات، رغم أن الخلافات قد تظهر بشكل أوضح وأكثر علانية.
علي رضا سلطاني
خبير في الشؤون الاقتصادية