من الصحافة الإيرانية: إيران والمعادلات المجهولة مع القارة الخضراء
جاءت تصريحات دي مايو في سياق العلاقات المعقدة بين إيران والاتحاد الأوروبي، إذ يبدو أن العلاقة بين طهران وأوروبا لا تزال تعاني من البرود منذ اندلاع حرب أوكرانيا.

ميدل ايست نيوز: تأتي التصريحات الأخيرة لـ«لويجي دي مايو»، الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لشؤون الخليج، بشأن علاقات الاتحاد الأوروبي مع إيران والبرنامج النووي لطهران وادعاءات الدعم العسكري الإيراني لروسيا، بالتزامن مع تطورات جديدة في مسار المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، ما يضفي عليها دلالة خاصة.
وكرر دي مايو، خلال مقابلة مع شبكة CNN، المزاعم الغربية حول الشراكة العسكرية بين إيران وروسيا، وطالب بالمزيد من الشفافية في البرنامج النووي الإيراني، وكذلك بمساهمة إيران في خفض التوترات الإقليمية. تأتي هذه التصريحات بينما تنتظر طهران وواشنطن عقد الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة بعد إتمام الجولة الرابعة في مسقط.
خلفية الموقف الأوروبي وتعقيدات المشهد
جاءت تصريحات دي مايو في سياق العلاقات المعقدة بين إيران والاتحاد الأوروبي، إذ يبدو أن العلاقة بين طهران وأوروبا لا تزال تعاني من البرود منذ اندلاع حرب أوكرانيا. وأشار دي مايو إلى دور الاتحاد الأوروبي كمسهل للاتفاق النووي عام 2015، ولفت إلى أن الادعاء بدعم إيران العسكري لروسيا يُعد «واقعًا جديدًا» أثّر على العلاقات الثنائية، وهي مزاعم نفتها كل من طهران وموسكو، وتعتبرها إيران جزءًا من رواية غربية لتبرير الضغوط السياسية.
وأكدت طهران أن تعاونها الدفاعي مع روسيا يأتي في إطار علاقات ثنائية ولا علاقة له بالحرب في أوكرانيا، بينما شددت موسكو على اكتفائها بصناعاتها الدفاعية وعدم حاجتها لتسليح خارجي. في المقابل، يتعرض الاتحاد الأوروبي لضغوط من الولايات المتحدة وبعض دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إيران.
وكان وزير الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو، قد حذر مؤخرًا من تفعيل “آلية الزناد” لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة إذا لم يتم تأمين مصالح أوروبا في المفاوضات النووية. هذا المشهد يعكس محاولة أوروبا موازنة الدبلوماسية والضغط، بينما تواصل إيران المطالبة برفع العقوبات واحترام حقوقها النووية.
شفافية أم ذرائع للضغط؟
كرر دي مايو انتقاداته لما وصفه بـ”انعدام الشفافية” في البرنامج النووي الإيراني، داعيًا طهران للامتثال لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT). وتأتي تصريحاته في وقت تؤكد فيه إيران أنها لا تسعى إلى إنتاج أسلحة نووية، وأن برنامجها يخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وكان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، قد أكد خلال اتصال مع كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، استعداد بلاده للتعاون مع الوكالة والتوصل إلى اتفاق واقعي بعيد عن المواقف المتشددة.
وقد تُستخدم ادعاءات دي مايو كأداة ضغط في المفاوضات الجارية، إلا أن بعض المراقبين يرون أن موقفه يعكس القلق الأوروبي من احتمال تقدم المحادثات بين طهران وواشنطن دون إشراك مباشر من الترويكا الأوروبية.
ويُعتبر تأجيل اجتماع إيران والدول الأوروبية الثلاث بعد تعليق الجولة الرابعة من المفاوضات دليلاً على استياء الأوروبيين من تهميش دورهم. فمن خلال دعوته إلى “إيران خالية من الأسلحة النووية ونشطة في السلام الإقليمي”، يسعى دي مايو لتثبيت موقع الاتحاد الأوروبي في المفاوضات.
تأثيرات محتملة على مفاوضات مسقط والتهدئة الإقليمية
تُعد المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، التي انعقدت جولتها الرابعة في مسقط أمس، محور اهتمام إقليمي ودولي. وتصريحات دي مايو، التي سبقت هذه الجولة بيوم واحد، قد تُفسر كإشارة مزدوجة لطهران: دعم للدبلوماسية وتطبيق NPT من جهة، وممارسة الضغط بتكرار اتهامات غير مثبتة من جهة أخرى. هذا النهج قد يزيد من تعقيد المفاوضات، خاصة في ظل انقسامات داخل السياسة الأمريكية.
وقد حذر المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف من أن الإصرار على تفكيك كامل للمنشآت النووية الإيرانية قد يُضعف فرص التوصل لاتفاق. في المقابل، يعارض سيناتوران مثل ماركو روبيو ومايكل والتز أي اتفاق يسمح لإيران بالاحتفاظ بقدرات تخصيب.
وفي ظل هذه الأجواء، فإن إصرار دي مايو على مزاعم الدعم العسكري لروسيا قد يُقوّض الثقة، رغم أن دعوته إلى دور إيراني نشط في استقرار المنطقة ينسجم مع الواقع الدبلوماسي، حيث لعبت إيران، من خلال التنسيق مع قطر وسلطنة عمان وتعزيز علاقاتها مع السعودية، دورًا فاعلًا في خفض التوترات.
ورغم النبرة النقدية في تصريحاته، فإن دي مايو يبعث برسالة ضمنية مفادها ضرورة استمرار الدبلوماسية مع إيران، ما قد يصب في صالح مفاوضات مسقط.