من الصحافة الإيرانية: اتفاقات سياسية وأوهام اقتصادية
حتى في حال نجاح المفاوضات مع إيران، فإن الحكومة الأميركية لن تستثمر بشكل مباشر، وكل ما يمكنها فعله هو منح الضوء الأخضر للشركات الأمريكية والأوروبية لدخول السوق الإيرانية.

ميدل ايست نيوز: منذ بدء المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة تسيطر على الاقتصاد الإيراني أجواء من الأمل والغموض والترقّب، بحيث لا يمكن توقّع أي نمو في الاستثمارات أو تحسّن في الأوضاع الاقتصادية قبل اتضاح نتائج هذه المفاوضات. لكن اللافت أن توقّعات المجتمع الإيراني من نتائج هذه المحادثات قد ارتفعت بشكل مفرط، لدرجة أن البعض يتحدّث عن تدفّق عشرات المليارات من الدولارات فورًا بعد التوصّل إلى اتفاق.
ومع ذلك، فإن الواقع مختلف كليًا، وطريق الوصول إلى الاتفاق مليء بالعقبات والتعقيدات. إذ تُظهر التجارب الدولية أنه حتى في حال التوصّل إلى اتفاق، فإن رفع العقوبات وجذب الاستثمارات الأجنبية والعودة إلى الاقتصاد العالمي لن تحدث على المدى القصير.
فلنفرض، في أفضل السيناريوهات، أن المفاوضات تكلّلت بالنجاح، وتم توقيع اتفاقية بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحتى في حال تم رفع القيود القانونية المتعلقة بالعقوبات الأمريكية على الفور، فإن الحكومة الأمريكية لا تستثمر بشكل مباشر في الخارج، وكل ما يمكنها فعله هو منح الضوء الأخضر للشركات الأمريكية والأوروبية لدخول السوق الإيرانية.
مثلا، تخيّل أن مجلس إدارة شركة “إكسون موبيل”، عملاق النفط العالمي، يدرس قرار استثمار مئات المليارات في إيران، فينظر إلى تصنيف المخاطر الصادر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، ليجد أن إيران مُصنّفة ضمن الفئة 7 من أصل 7، أي أعلى مستوى من المخاطر.
ورغم ذلك، يُرسل المجلس خبراء ومستشارين إلى إيران لتقييم الوضع ميدانيًا، فيعود التقرير ليكشف واقع الاقتصاد الإيراني: غياب في الشفافية المالية وهيمنة حكومية على الاقتصاد ودعم حكومي ثقيل ونظام سعر صرف متعدد وقوانين معقدة ومتناقضة وتداخل الاقتصاد بالسياسة وفساد جائر وتدخل العسكريين في الاقتصاد وانعدام استقرار الملكية. كما أن عزلة إيران الاقتصادية لعقود منعتها من تطوير بنى تحتية متصلة بالعالم مثل المصارف والتأمين والأسواق المالية.
تؤكد التقارير أيضًا أن رغم وجود طاقات بشرية متعلمة ومؤهلة، إلا أن أثرهم محدود في القطاع العام، وأن المستثمر الأجنبي سيضطر إلى التفاوض مع هيئة استثمار لا تتجاوز خبرتها بضعة آلاف من الدولارات، ولا تفهم لغة الاستثمارات المليارية.
حان الوقت لترك الأوهام جانبًا، والإدراك بأن في عالم اليوم، لم تعد القوى السياسية قادرة على فرض إرادتها على الاقتصاد، بل العكس هو الصحيح. وفي هذا الواقع، شركات كبرى مثل إكسون موبيل، رغم اعترافها بجاذبية السوق الإيرانية، لن تخاطر برؤوس أموالها ولا ترغب في مواجهة ضغوط المساهمين أو لوبيات مثل اللوبي الإسرائيلي، فتفضّل الانسحاب.
لكن قافلة الاستثمار الإيراني لا تيأس، فتنتقل من هيوستن إلى سياتل، وتفتح باب التفاوض مع شركة “بوينغ”. هنا يبدو المشهد مختلفًا: ترحيب واسع، وبيانات ودية، وتوقيع مذكرة تفاهم لبيع مئات الطائرات المدنية. وهنا، كما في تجارب سابقة، ينطلق الجهاز الإعلامي الحكومي مبشّرًا الشعب بالاحتفالات والإنجازات.
يوضّح هذا السيناريو البسيط أن توقّع استثمارات طويلة الأمد ونقل التكنولوجيا وتعميق الصناعة وزيادة القدرات الاقتصادية الإيرانية من قبل أمريكا وأوروبا، يكشف عن سوء فهم للثقافة الاقتصادية الغربية. فكما في السابق، سيتم دفع إيران نحو طريق مسدود.
لقد آن الأوان للتخلّي عن التفكير السطحي والأحلام القصيرة الأمد، وعدم بيع مستقبل البلد مقابل رفاه مؤقت. من الضروري إعادة النظر في تشكيل الفريق المفاوض، وتفادي الوقوع في فخ التنازلات التي قد تضع مستقبل إيران على طاولة المقايضة.
ينبغي من الآن تكليف خبراء الاقتصاد والصناعة من القطاع الخاص بوضع نموذج تنموي جديد، والتركيز على القدرات المحلية والمناخية، وتطوير خطة تنمية مستدامة حقيقية استعدادًا لجني ثمار أي اتفاق محتمل. وإلا، فإن عوائد الاتفاق ستنفق على استيراد الكماليات، وسنجد أنفسنا مجددًا أمام اقتصاد هش وشباب عاطلين عن العمل ومجتمع محبط وغاضب.
هاشم أورعي
أستاذ في جامعة شريف الصناعية