من الصحافة الإيرانية: لقاء ترامب وأحمد الشرع.. في أي اتجاه تسير سوريا؟
الخطوة التي اتخذها ترامب تتناقض بشكل واضح مع نهج حكومة نتنياهو في التعامل مع الحكّام الجدد في سوريا. فهل تمثل هذه الخطوة إشارة جدية إلى تراجع الرئيس الأمريكي عن دعمه لإسرائيل، أم أن هناك مساراً آخر يجري خلف الكواليس؟

ميدل ايست نيوز: يرى القادة الإسرائيليون أن الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع هي “مجموعة إرهابية استولت على دمشق بالقوة دون انتخابات شعبية، وترتكب جرائم ضد العلويين والدروز، وتضطهد الأكراد”.
هذا هو التوصيف الذي قدّمه جدعون ساعر، وزير خارجية إسرائيل، للحكومة التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام في سوريا، وقد كرّر مسؤولون إسرائيليون آخرون هذا الموقف بعبارات مشابهة.
ومع ذلك، أعلن دونالد ترامب، خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية، عن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، ثم أجرى لقاءً استمر لأكثر من نصف ساعة مع أحمد الشرع، في الرياض.
هذه الخطوة التي اتخذها ترامب تتناقض بشكل واضح مع نهج حكومة نتنياهو في التعامل مع الحكّام الجدد في سوريا. فهل تمثل هذه الخطوة إشارة جدية إلى تراجع الرئيس الأمريكي عن دعمه لإسرائيل، أم أن هناك مساراً آخر يجري خلف الكواليس؟
رغم وجود مؤشرات على خيبة أمل ترامب من أداء حكومة نتنياهو، إلا أن تفسير هذه المؤشرات على أنها ابتعاد أمريكي عن إسرائيل يُعد مبالغة وغير واقعي.
فالتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل قوي جداً، ولا يمكن الاستنتاج من أي برود مؤقت في العلاقات بين القادة أن هناك تحولاً جوهرياً في السياسة الأمريكية.
في الواقع، يسعى نتنياهو إلى توظيف الرئيس الأمريكي وفريقه لخدمة أهدافه السياسية، لكن ترامب، الذي يرفع شعار “أمريكا أولاً”، توصّل إلى قناعة مفادها أن مصالح نتنياهو السياسية لا تخدم بالضرورة المصالح المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة في كل المجالات.
في إسرائيل، هناك مجموعة من المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية والقضائية التي تبنى على مجموع آرائها تعريف “المصلحة الإسرائيلية”. وقد دخلت حكومة نتنياهو الائتلافية في خلافات عميقة مع هذه المؤسسات، لدرجة أنها تعتبرها “دولة عميقة” تُعيق تنفيذ سياساتها.
ويبدو أن ترامب وفريقه يدركون جيداً عمق هذه الخلافات، ولذلك لا يرغبون في بعض القضايا الإقليمية بمجاراة نتنياهو والأحزاب المتطرفة والدينية المتحالفة معه.
هدف نتنياهو هو تعزيز النفوذ العسكري والأمني الإسرائيلي في المحافظات الجنوبية والشرقية من سوريا، بهدف تثبيت مناطق الاحتلال في المنطقة العازلة وجبل الشيخ، ومنع استقرار حكومة أحمد الشرع.
وتشعر تركيا والدول العربية بقلق بالغ من زعزعة استقرار سوريا، وتعتبر ذلك مخالفاً لمصالحها وأمنها القومي. ولهذا السبب، طلب كلٌّ من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، من ترامب إنهاء العقوبات الاقتصادية على الحكومة السورية والجلوس مع أحمد الشرع لإيجاد مخرج للأزمة.
استجاب ترامب لهذا الطلب، ولبّى كلا المطلبين، لكن خطوته لم تكن تهدف إلى إضعاف إسرائيل أو عزلها، رغم أنها تضر بشكل واضح بنتنياهو وحكومته الائتلافية.
ووفقاً لبيان صادر عن البيت الأبيض، فقد طلب ترامب من أحمد الشرع الانضمام إلى “اتفاقيات إبراهيم”. لم يُكشف عن رد الشرع على هذا الطلب، لكن، استناداً إلى تصريحاته الأخيرة، يبدو أنه لا يرى أن الوقت مناسب لذلك، غير أنه وافق بالتأكيد على ضمان أمن إسرائيل وفتح قناة للحوار بشأن هذه المسألة.
فمن دون هذا التعهّد أو الضمان، كان من المستحيل أن يوافق ترامب على رفع جميع العقوبات عن سوريا أو لقاء أحمد الشرع. ويبدو أن أردوغان وبن سلمان، كما أقنعوا ترامب، قد مارسوا ضغطاً على الشرع أيضاً للقبول بشروط ترامب.
وبدا أن الحكومة السورية الجديدة، في هذا السياق، بدأت بالفعل قبل عدة أسابيع بحملة توقيفات شملت قادة من بعض الفصائل الفلسطينية، وخاصة حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، وقامت بتقييد أنشطتهم داخل سوريا. كما شملت الإجراءات أيضاً التصدي لنشاطات حزب الله في المناطق الحدودية ومنع أي محاولة جديدة للنفوذ من قبل إيران.
ومع كل ذلك، فإن تغيير البنية الأيديولوجية لهيئة تحرير الشام، وخاصة إخراج المقاتلين الجهاديين الأجانب من سوريا، لا يبدو مهمة سهلة.
في هذه الأثناء، قد يسعى نتنياهو لإفشال هذه الصفقة من خلال خلق أزمة جديدة، مما قد يعرقل استمرار هذه العملية ويجعل المضي فيها صعباً على جميع الأطراف.
ويبدو أن إدارة ترامب، إلى جانب حلفائها، وخاصة دول الخليج الجنوبية، يراهنون على مرحلة ما بعد نتنياهو لإحداث تحول جوهري في الشرق الأوسط.
هذا التحول قد يتحقق بتشكيل حكومة جديدة في إسرائيل تطرح رؤية لحل سياسي للقضية الفلسطينية، وتُكمل دائرة “اتفاقيات إبراهيم”.
ويرغب ترامب وحلفاؤه في انضمام سوريا إلى هذا المسار، ويبدو أن الزعيم السوري الجديد مستعد للمضي قدماً في هذا الاتجاه.
أحمد زید آبادي
صحفي ومحلل في الشؤون السياسية