من الصحافة الإيرانية: رفع العقوبات عن سوريا؛ انسحاب تكتيكي أم فخ استراتيجي؟

شكلت زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية وقطر والإمارات ولقاؤه بشخصيات مثل الجولاني، إشارة واضحة على تغيّر مقاربة واشنطن تجاه الملف السوري.

ميدل ايست نيوز: شكلت زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية وقطر والإمارات ولقاؤه بشخصيات مثل الجولاني، إشارة واضحة على تغيّر مقاربة واشنطن تجاه الملف السوري. إذ لم يعد الهدف إسقاط الحكومة المركزية في دمشق، بل إعادة توجيه سلوكها الجيوسياسي، وهو مسار قد يُحدث تحديات ملموسة أمام الدور الإيراني في سوريا.

ويُعد قرار الولايات المتحدة (رفع العقوبات عن سوريا) نقطة تحول في سياسات واشنطن حيال توازنات الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن القرار بدا ظاهريًا كنوع من التخفيف عن “محور المقاومة”، إلا أنه يحمل في عمقه أبعادًا جيواستراتيجية وآثارًا متعددة المستويات — شملت معادلة النفوذ الإيراني، وأثارت تساؤلات قانونية حول مشروعية نظام العقوبات، كما أعادت الجدل بشأن المبادئ الأساسية في القانون الدولي.

وجاء هذا التطور في وقت كانت فيه واشنطن تعيد ترتيب أوراقها في المنطقة من خلال توقيع صفقات تسليحية مع السعودية وقطر، والانخراط مع أطراف مثيرة للجدل، وإعادة رسم المحاور الأمنية الإقليمية.

ولطالما كانت العقوبات المفروضة على سوريا، ولا سيما بعد صدور “قانون قيصر” عام 2019، محل انتقاد قانوني، كونها لم تستند إلى قرارات مجلس الأمن، بل صدرت استنادًا إلى الصلاحيات الداخلية الأمريكية، وأضرت بشكل مباشر بالاقتصاد والبنية الإنسانية السورية عبر ما يُعرف بـ”العقوبات الثانوية”.

من الناحية الاستراتيجية، يُفهم هذا التراجع ضمن إطار “المرونة التكتيكية لتثبيت الاستراتيجية الكبرى” في الولاية الثانية من رئاسة ترامب، حيث تم استبدال الضغط الأحادي بنهج يقوم على مزيج من التهديد والإغراء لتغيير سلوك اللاعبين الإقليميين. ومن هذا المنظور، فإن رفع العقوبات كان قد يكون بمثابة حافز اقتصادي لنظام الأسد مقابل تخفيف روابطه مع طهران، وتمهيدًا لإعادة إدماج سوريا في النظام العربي المتماشي مع واشنطن.

وتنظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى سوريا باعتبارها حليفًا استراتيجيًا ومحورًا حيويًا يربطها بحزب الله اللبناني، وركنًا أساسيًا في عمقها الدفاعي الإقليمي. لذا، فإن أي تحول تدريجي في التوجه السوري نحو محور عربي مدعوم من واشنطن قد يخل بتوازن القوى ويؤثر على فعالية محور المقاومة. صحيح أن العلاقات العسكرية والأمنية بين طهران ودمشق متجذّرة، إلا أن غياب إدارة ذكية لهذه المرحلة قد يؤدي إلى تآكل تدريجي في التنسيق الثنائي.

كذلك، قد يعزز هذا التحول من نفوذ التيارات التوفيقية داخل القرار السوري، ويقود إلى إعادة تعريف دور سوريا في الملفات الإقليمية. أما على المستوى الإقليمي، فإن ابتعاد سوريا عن طهران قد يُضعف موقعها كحلقة وصل أساسية في محور المقاومة، ما يقيّد قدرات حزب الله اللوجستية، وهو أمر قد تستغله إسرائيل لتوسيع هامش تحركها في جنوب لبنان.

وتجد إيران نفسها مضطرة لإعادة النظر في مقاربتها للعلاقة مع دمشق، عبر تقديم حوافز اقتصادية وسياسية وأمنية ملموسة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية. وفي حال غياب هذا النوع من التفاعل الذكي، فإن انحرافًا تدريجيًا، ولو محدودًا، في المسار السوري عن محور طهران قد لا يكون مستبعدًا.

من زاوية القانون الدولي، يُظهر هذا التراجع هشاشة نظام العقوبات الأحادية، ويعزز الدعوة لتقوية المؤسسات المتعددة الأطراف في ضبط الأطر القانونية للعقوبات. وبالتالي، فإن رفع العقوبات عن سوريا لم يكن مجرد قرار سياسي، بل اختبارًا فعليًا لقدرة حلفاء إيران على الصمود الاستراتيجي، ومؤشرًا مهمًا على مستقبل مشروعية العقوبات في النظام الدولي.

معصومة عليان بور
دكتوراه في العلاقات الدولية ومحللة للقضايا السياسية والعلاقات الدولية

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
ميدل ايست نيوز
المصدر
دبلوماسي إيراني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 − 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى