من الصحافة الإيرانية: هل تتحسن العلاقات الإيرانية السعودية أم تسوء؟

إن زيارة دونالد ترامب الأخيرة إلى السعودية تعد انعكاساً واضحاً لإحياء نموذج الدبلوماسية القائمة على الصفقات في السياسة الأمريكية ومحاولة لإعادة تعريف النظام الأمني في منطقة الشرق الأوسط.

ميدل ايست نيوز: كتبت صحيفة “اطلاعات” الإيرانية أن زيارة دونالد ترامب الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، والتي شهدت توقيع اتفاقيات اقتصادية ودفاعية كبيرة ومواقف صريحة بشأن إيران، تعد انعكاساً واضحاً لإحياء نموذج الدبلوماسية القائمة على الصفقات في السياسة الأمريكية ومحاولة لإعادة تعريف النظام الأمني في منطقة الشرق الأوسط.

ورغم أن هذا التطور قد يُعتبر في البداية تهديداً لمصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أنه على مستوى استراتيجي أعمق يمكن أن يوفر فرصاً خفية لإعادة التفكير في السياسة الإقليمية للانتقال من الصراعات المستمرة إلى استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة الإقليمية، خاصة في العلاقة مع المملكة العربية السعودية.

وفي تحليل هذه التطورات، من الضروري الابتعاد عن الخطاب التقليدي القائم على المواجهة والتوجه نحو فتح نافذة جديدة واعتماد نهج واقعي للنظر في إمكانية تخفيف التوترات والتعاون الاقتصادي والدبلوماسية الاستباقية.

الدبلوماسية القائمة على الصفقات وبناء التحالفات الجديدة

في زيارته الأخيرة إلى الرياض، أنهى ترامب اتفاقات تقدر قيمتها بأكثر من 600 مليار دولار مع المسؤولين السعوديين؛ بدءاً من العقود الضخمة للأسلحة وصولاً إلى الاستثمارات المشتركة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، والبنية التحتية للتكنولوجيا، والمعادن الحيوية. وعلى مستوى رمزي، أرسلت هذه الاتفاقات رسالة واضحة إلى العالم: عودة واشنطن إلى المنطقة بالاعتماد على بناء تحالفات اقتصادية وأمنية جديدة، مع التركيز على المملكة العربية السعودية.

ورغم أن هذا النموذج من التعاون قد يمثل تحدياً لإيران، إلا أن الواقع الجيوسياسي في المنطقة يفرض على السياسيين الإيرانيين التحرك نحو الاستفادة الذكية من الفراغات والفرص المتاحة. وأظهرت التجربة أنه كلما ابتعد اللاعبون الإقليميون عن الصراعات بالوكالة واتجهوا نحو الحوار المباشر، تم تمهيد الطريق نحو الاستقرار المستدام والازدهار الاقتصادي.

الأمن الإقليمي والتخفيف من التوترات

يجب أن يتجاوز فهم الأمن في منطقة الشرق الأوسط منطق التوازن التقليدي للقوى، وأن يتحول إلى فهم تفاعلي ومتعدد المستويات يعتمد على المصالح المتبادلة. لقد أظهرت تجربة العقود الماضية، من السباقات التسليحية إلى الصراعات بالوكالة في اليمن وسوريا ولبنان، أن أي من اللاعبين الإقليميين لا يستطيع بمفرده ضمان الأمن المستدام. في هذا السياق، فإن العلاقات بين طهران والرياض، كقوتين إقليميتين مهمتين، تشكل دوراً أساسياً. والتقارب التدريجي بين البلدين في الأشهر الماضية يعد علامة على الفهم المتبادل للمصالح.

ورغم أن زيارة ترامب قد تعزز من مكانة السعودية في التحالف الغربي، إلا أنه لا ينبغي اعتبارها عقبة أمام استمرار مسار المصالحة والحوار. بل، قد تكون دافعاً إضافياً لتسريع عملية التخفيف من التوترات وتحديد مشاريع مشتركة.

المصالح الاقتصادية لإيران في ظل الدبلوماسية الإقليمية

في ظل التطورات الجديدة مثل النقلة النوعية في الطاقة وتغيير سلاسل الإمداد العالمية ومنافسة القوى الكبرى، يجب على إيران إعادة تصميم دبلوماسيتها الاقتصادية بالواقعية والإبداع والمشاركة الإقليمية. يمكن أن تشكل إمكانيات التعاون الاقتصادي مع المملكة العربية السعودية – في مجالات مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية والأمن الغذائي والسياحة والزيارات – محركاً للنمو الاقتصادي وزيادة المرونة الوطنية. كما أن التعاون مع السعودية في إطار الترتيبات الاقتصادية الإقليمية متعددة الأطراف يمكن أن يساعد إيران في الخروج من الحظر الأجنبي النسبي وفتح مسارات غير غربية للتعاملات المالية والفنية.

إعادة النظر في التجارب السابقة لإيران والسعودية

مرت العلاقات بين إيران والسعودية بالكثير من التقلبات؛ من التعاون الأمني في سبعينات القرن الماضي إلى قطع العلاقات بعد الهجوم على السفارة السعودية في طهران. ومع ذلك، بقيت حقيقة ثابتة: إن الاستقرار الإقليمي بدون تفاهم بين طهران والرياض هش ومؤقت. كما أن العودة إلى طاولة الحوار في السنوات الأخيرة، خصوصاً بوساطة الصين، تشير إلى نضوج تدريجي في السياسة الخارجية للبلدين وفهم متبادل لمخاطر المواجهات المستمرة.

الآن بعد أن دخلت السعودية في فصل جديد من العلاقات الاستراتيجية مع أمريكا، يمكن لإيران أن تتبع مساراً من التعاون الحذر، ولكن المستدام، مع الحفاظ على استقلالها وكرامتها الوطنية. مسار يركز على الفرص بدلاً من التهديدات.

الختام: نظرة إلى المستقبل مع فهم مشترك للواقع

أكدت مجددا زيارة ترامب إلى السعودية وتأثيراتها على النظام الإقليمي، ضرورة إجراء حوار بناء ومستدام بين إيران والسعودية. ورغم أن التحولات السريعة وغير المتوقعة في المنطقة قد تجعل مسار المصالحة صعباً، إلا أن التجارب الدولية ونظريات العلاقات الدولية تؤكد أن المصالحة المستدامة دائماً ما تنبثق من الحوارات الصبورة وفهم المصالح المتبادلة والابتعاد عن سياسات “اللعبة الصفرية”.

ويمكن لإيران من خلال اتباع سياسة خارجية واقعية ومتعددة الأبعاد، أن تحول التهديدات الظاهرة من زيارة ترامب إلى فرص لتعميق التعاون مع السعودية وتثبيت مكانتها في النظام الإقليمي الجديد، وتعزيز أسس الأمن والرفاه الوطني في العقد المقبل.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى