من الصحافة الإيرانية: هل نحن على أعتاب شرق أوسط جديد؟
أهم جوانب زيارة ترامب الأخيرة إلى السعودية وقطر والإمارات، هو الأثر الذي يمكن أن تتركه على اصطفاف القوى في المنطقة.

ميدل ايست نيوز: أهم جوانب زيارة ترامب الأخيرة إلى السعودية وقطر والإمارات، هو الأثر الذي يمكن أن تتركه على اصطفاف القوى في المنطقة. فقد أكدت هذه الزيارة على دور ومكانة هذه الدول الثلاث، وكشفت عن رغبة أمريكية في تعزيز توجهها السياسي والاقتصادي. كما سرّعت هذه الزيارة المسار الذي بدأ منذ الربيع العربي، والذي يهدف إلى ترسيخ محور هذه النوعية من الدول في الشرق الأوسط.
عمل ترامب، كرئيس أقل أيديولوجية وأكثر ميلاً لتحقيق النتائج العملية، خلال هذه الزيارة على تقوية مضيفيه الذين يشبهونه من حيث البراغماتية والعلمانية والتركيز على الاقتصاد والتحديث. وقد استند سلوك ترامب عموماً، وخاصة في هذه الزيارة، إلى منطق صفْقوي لا يمكن أن يلبي رغبات القوى الإقليمية التي تُعنى بالأيديولوجيات والكراهيات التاريخية، كالمتطرفين الإسرائيليين.
أن يُركّز رئيس أمريكي في أول زيارة له للمنطقة على ثلاث دول عربية، بينما تُوضع إسرائيل في الهامش، يُعدّ أمرًا غير مسبوق. وكانت رسالة ترامب إلى نتنياهو خلال هذه الزيارة مفادها أن لأمريكا مصالحها الخاصة في الشرق الأوسط، ويجب ألا تكون إسرائيل عقبة في طريقها، الأمر الذي قد يشير إلى احتمال نقل مركز الثقل في السياسة الأمريكية الشرق أوسطية من تل أبيب إلى الرياض.
لسنوات طويلة، ارتكزت السياسة الأمريكية على الحفاظ على تفوق إسرائيل في وجه دول المنطقة، وتقوية الرياض في مواجهة طهران، وتهميش سوريا. أما زيارة ترامب، فمثّلت تعديلًا في هذه السياسات التقليدية، وتخليًا عن ما تبقى من النظرة الأيديولوجية للمنطقة.
السياسات التي جرى استعراضها خلال الزيارة، والتي حظيت بقبول واسع بين مختلف الأطياف السياسية في واشنطن، تشير إلى نزعة أمريكية جديدة نحو البراغماتية والدبلوماسية المعتمدة على منطق الصفقة. وعلى الرغم من أن هذه السياسة الجديدة تعزز من مكانة السعودية كقائدة للعالم السني، فإن البُعد الأيديولوجي الأرثوذكسي لهذا العالم، الممثل سابقًا بشيوخ الوهابية، بات في تراجع، بينما يتعزز البُعد الاقتصادي والاستثماري والتحديثي.
وهذا التحول، من ناحية إضعاف الفكر الوهابي المتشدد، قد يصبّ في مصلحة إيران كذلك. في الوقت ذاته، يشكل هذا التوجه ضررًا للتيار المتطرف والعنيف داخل إسرائيل، ولن تتمكن إيران من الاستفادة من هذه التحولات إلا إذا زادت من تبنيها للنهج البراغماتي.
وإذا نجحت المفاوضات الجارية بين إيران وأمريكا، المدعومة من الدول العربية، فإن ذلك قد يمهد لقيام توازن جديد في المنطقة على حساب إسرائيل.
ثمة مؤشرات عديدة، إلى جانب تهميش إسرائيل في زيارة ترامب، تدل على توجهه نحو إحداث توازن جديد في المنطقة، ونزع الامتياز من إسرائيل تحت قيادة نتنياهو. فالتفاوض مع إيران دون مراعاة لموقف نتنياهو، وتجاهل إسرائيل في اتفاق وقف إطلاق النار مع الحوثيين، وإطلاق سراح رهينة أمريكي عبر التفاوض مع حماس دون تدخل إسرائيلي، وعدم الضغط على السعودية وقطر للاعتراف بإسرائيل وترك القرار لهما، كلها أمور دالة.
كما أن امتعاض ترامب من استمرار حرب غزة، وعدم قدرة نتنياهو على تقديم خطة لما بعد الحرب، والتعاون مع السعودية في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وخطة بيع طائرات F-35، تدل جميعها على أن اليمين المتطرف الإسرائيلي بقيادة نتنياهو لم يعد قادرًا على الاعتماد على دعم ترامب وأمريكا.
ويبقى الزمن كفيلًا بكشف ما إذا كان هذا المسار سيقتصر على إضعاف زعامات مثل نتنياهو المحاصرة بالتعصبات الطائفية، أم أنه سيؤثر جوهريًا على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
ورغم أن التحالف الاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل، المدعوم من الحزبين في واشنطن، سيظل قائمًا، فإن تزايد الاعتراض داخل أمريكا على سياسات المتطرفين الإسرائيليين، وإجراءات ترامب الأخيرة، أظهرت أن اليمين الإسرائيلي المتطرف لم يعد يملك ضمانة دعم حتى من رئيس متطرف مثل ترامب. وإذا استمر هذا المسار وتعزز، فقد يُسهم في تسهيل قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وكان لقاء ترامب مع الرئيس السوري الجديد عبر الوساطة السعودية، والإعلان المفاجئ عن رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا من الرياض، والتأكيد على أن ذلك تم بطلب من محمد بن سلمان، تحولاً مهمًا آخر خلال الزيارة.
وقد حصل هذا في وقت كانت فيه الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، ومساعيها العلنية لتمزيق وحدة هذا البلد وانتهاك سيادته وتحويله إلى دولة فاشلة، تتواصل بشدة. وبصرف النظر عن دوافع ترامب، فإن خطوته تلك قد تسهم في استقرار الوضع في سوريا، وتعزيز السلطة المركزية، وبالتالي الحفاظ على كيان هذه الدولة العربية المهمة المجاورة لإسرائيل.
كما أن هذه الخطوة تُعد مهمة أيضًا من حيث أنها تدعم المحور السعودي في سوريا، وتشكّل حاجزًا أمام تغوّل تركيا ومحور الإخوان المسلمين.
کوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق