من الصحافة الإيرانية: محاولات أوروبية لاستعادة موقعها في الدبلوماسية النووية مع إيران
أعاد الاجتماع الأخير بين إيران والترويكا الأوروبية دور أوروبا في المفاوضات النووية الإيرانية إلى الواجهة مجددًا.

ميدل ايست نيوز: أعاد الاجتماع الأخير بين إيران والترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) في إسطنبول دور أوروبا في المفاوضات النووية الإيرانية إلى الواجهة مجددًا، في وقت تسعى فيه القارة العجوز إلى استعادة موقعها الدبلوماسي بعد تراجع تأثيرها منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018.
عُقد الاجتماع يوم الجمعة داخل القنصلية الإيرانية في إسطنبول، بمشاركة كل من كاظم غريب آبادي ومجيد تخت روانجي عن الجانب الإيراني، إلى جانب المديرين السياسيين من دول الترويكا الأوروبية. ووصف غريب آبادي المحادثات بأنها «بناءة»، مشددًا على التزام مشترك بالحفاظ على المسار الدبلوماسي. من جانبه، رحب الدبلوماسي البريطاني كريستيان تورنر بتقدّم المحادثات بين طهران وواشنطن، مؤكدًا التزام بلاده بالحوار.
ويُنظر إلى هذه الخطوة كمحاولة أوروبية لإثبات حضورها في مفاوضات قد تؤدي إلى إعادة دمج إيران في الاقتصاد العالمي. من جهتها، استفادت طهران من هذا اللقاء لتقوية موقفها في المفاوضات الموازية مع الولايات المتحدة، مؤكدة استعدادها للتعاون متعدد الأطراف من أجل الحفاظ على حقوقها النووية ورفع العقوبات.
رغم ذلك، فإن تأثير أوروبا تراجع بشكل كبير منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. ويرى تيو ننشيني، أستاذ في جامعة غرونوبل، أن دول الترويكا لم تتمكن منذ عام 2018 من بلورة سياسة مستقلة تجاه إيران، نظرًا لاعتمادها المفرط على واشنطن، ما أضعف ثقة إيران بوعودها.
ونقلت شبكة TRT عن مصدر إيراني (رفض ذكر اسمه) أن الأوروبيين لم يلتزموا بتعهداتهم بعد خروج أمريكا من الاتفاق، مما ولّد تشككًا لدى طهران في جدوى المفاوضات التي لا تكون واشنطن طرفًا مباشرًا فيها. رغم ذلك، تعتمد إيران على سياسة واقعية، وتستفيد من القنوات الدبلوماسية الأوروبية لتعزيز موقفها التفاوضي.
آلية الزناد وحدود الضغط الأوروبي
من أبرز القضايا الحساسة في اجتماع إسطنبول كانت آلية الزناد (Snapback)، التي تسمح بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران في حال الإخلال بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي. هذه الآلية، المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، ستنتهي صلاحيتها في أكتوبر 2025.
وقد حذر دبلوماسيون أوروبيون من تفعيل الآلية في حال عدم التوصل إلى اتفاق جديد بحلول أغسطس 2025. لكن مراقبين يشككون في أن تلجأ الترويكا إلى هذا الخيار إلا في حال وقوع تطورات غير متوقعة، بسبب محدودية تأثير أوروبا وغياب الدعم الأميركي المباشر.
وتتعامل إيران مع هذا التهديد بحذر، حيث تسعى إلى التوازن بين مفاوضات مسقط مع واشنطن ومحادثات إسطنبول مع الأوروبيين. ويبدو أن هذه السياسة حالت حتى الآن دون تفعيل الآلية، وأبقت أوروبا على طاولة المفاوضات.
فرصة أوروبا لإحياء دورها الإقليمي
مع اقتراب موعد انتهاء العمل بقرار 2231، تبرز أهمية الدور الأوروبي في سد الفجوات الدبلوماسية. فرغم تراجع نفوذ أوروبا مقارنة بعام 2015، تبقى مشاركتها ضرورية في صياغة أي اتفاق جديد.
ويمكن لأوروبا أن تلعب دورًا فنيًا وقانونيًا، كالمساعدة في توضيح الالتزامات النووية لإيران، أو تقديم ضمانات اقتصادية تساعد على بناء الثقة. وقد أبدت إيران انفتاحًا على هذا الدور، وأعربت عن استعدادها للوصول إلى اتفاق متوازن يحفظ حقوقها.
وأوجدت الدبلوماسية الإيرانية النشطة، التي لاقت ترحيبًا عربيًا في قمة بغداد الأخيرة، مناخًا مناسبًا للتعاون الإقليمي والدولي. دعم أوروبا لهذا التوجه قد يؤدي إلى تخفيف العقوبات وتعزيز الاقتصاد الإيراني، وهو ما يصب في صالح استقرار المنطقة.
لكن نجاح أوروبا في استعادة نفوذها يعتمد على امتلاك الإرادة السياسية للاستقلال عن الموقف الأميركي وكسب ثقة طهران من جديد. وقد مهدت إيران الطريق أمام هذا الخيار من خلال صبر استراتيجي وتعامل متعدد الأطراف، واضعة أوروبا أمام فرصة تاريخية لإثبات فاعليتها الدبلوماسية من جديد.