من الصحافة الإيرانية: إعلان بغداد، فرصة جديدة لطهران في الشرق الأوسط

تدرك الدول العربية أن مصلحتها الكبرى تكمن في منع حدوث أي أزمة في منطقة الخليج، التي يمثل انفجارها تهديداً أمنياً مباشراً لها، ويؤثر على استقرار أسواق الطاقة عالمياً.

ميدل ايست نيوز: انعقدت القمة الرابعة والثلاثون لزعماء الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية يوم السبت في بغداد، بمشاركة 22 زعيماً من الدول العربية. وهذه هي المرة الثانية التي تُعقد فيها قمة كهذه في العاصمة العراقية منذ سقوط نظام صدام حسين. جاء هذا الاجتماع تحت شعار “الحوار، التضامن، والتنمية”، مع جدول أعمال شمل مناقشة الأوضاع في غزة واليمن والأزمة في السودان وغيرها من الملفات الإقليمية.

وكتب موقع فرارو في تقرير له، أنه بعيداً عن الحضور وجدول الأعمال الرسمي، حمل البيان الختامي للقمة مضامين تتجاوز النص، وتمس إيران والواقع الجديد في الشرق الأوسط. فقد تضمّن البيان، إلى جانب التأكيد على ضرورة حل الأزمات الإقليمية من اليمن إلى لبنان، ومن السودان إلى ليبيا، دعماً للمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. وهي فقرة تشير، إذا ما قورنت بقطع أخرى من مشهد السياسات الإقليمية والخارجية لإيران، إلى صورة لما هو آخذ بالتشكل في المنطقة. كما جدد البيان تأكيده على مزاعم الإمارات بشأن الجزر الثلاث التابعة لإيران، وهو ما استدعى رداً من وزارة الخارجية الإيرانية.

وأكد القادة العرب في القمة دعمهم للمفاوضات بين إيران وأمريكا حتى تحقيق نتائج إيجابية، كما أشادوا بدور سلطنة عمان كوسيط، وهو دور يمنح العالم العربي وزناً سياسياً، ويبعث على الاطمئنان في هذه المرحلة بالنسبة لبعض الدول.

أولاً: تجاوز مرحلة المعارضة

كما هو الحال في أي تكتل دولي كالاتحاد الأوروبي، تضم جامعة الدول العربية عدداً من الدول المؤثرة التي توجه المسارات الإقليمية. فعندما جرت مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني الذي أفضى إلى توقيع “الاتفاق النووي” عام 2015، كانت الخلافات الإقليمية بين إيران والدول العربية المؤثرة في ذروتها. وحين تم التوصل إلى الاتفاق، حاولت هذه الدول، إلى جانب بعض المتشددين في الداخل الإيراني والأمريكي، وكذلك إسرائيل، إفشاله.

لكن في عام 2025، تبدّلت الظروف كثيراً مقارنة بما كانت عليه قبل عقد. فقد استطاعت إيران والدول العربية ترميم علاقاتها بدرجة ملموسة. كما أن التنافس التقليدي، لا سيما في مناطق مثل شرق المتوسط، شهد تحولات فرضتها الوقائع، ولم يسعَ أي طرف إلى تفجيره مجدداً. وفي لبنان، تشكّلت أوضاع جديدة يبدو أن إيران قد قبلت بها، بينما تشهد سوريا والعراق مسارات بنيوية جديدة. ويبدو أن دول المنطقة باتت تتقبل بدرجة كبيرة دخول الشرق الأوسط مرحلة جديدة، وتسعى كل دولة إلى تثبيت دورها وتأمين مصالحها في هذا الواقع المتغيّر.

ثانياً: مساعي إيران لتعزيز التعاون الإقليمي

تسعى الجمهورية الإسلامية حالياً إلى طمأنة الدول العربية في المنطقة بأن التوصل إلى اتفاق محتمل مع الولايات المتحدة لا يمثل تهديداً لمصالحها. ففي تجارب سابقة، كانت تلك الدول تخشى أن تفضي مثل هذه الاتفاقات إلى تغييرات إقليمية تضر بمصالحها. لكن هذه المرة، هناك مشاورات مكثفة واتصالات دبلوماسية واسعة بين إيران ودول الخليج العربية. فإلى جانب الاتصالات الهاتفية العلنية، هناك زيارات متعددة ومتنوعة لوزير الخارجية الإيراني، إضافة إلى زيارات مسؤولين عرب إلى طهران، وربما تجري مشاورات غير معلنة أيضاً.

وتشير تحليلات إلى أن الدول العربية تلعب دوراً بنّاءً في دفع المسار الدبلوماسي الجديد بين طهران وواشنطن. ووفقاً لتعبير المحلل السياسي رحمن قهرمان بور، فإن “الدول العربية، وإن لم تكن مؤيدة بالكامل للمفاوضات والاتفاق، لكنها لم تعد معارضة له أيضاً”، ولم تعد تعرقل المسار كما في السابق. وهذا يفتح المجال لتعريف مصالح اقتصادية وأمنية مشتركة بين دول المنطقة، وهو ما يمنح إيران فرصة للعب دور فعّال في الشرق الأوسط الجديد.

وقد استخدم الأستاذ محمود سريع القلم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شهيد بهشتي، مصطلح “الترابط القُفلي” (lock-in) لوصف حالة التداخل الاقتصادي بين الدول. فكلما زاد التعاون الاقتصادي والأمني، وزادت المصالح المشتركة، زادت صعوبة انفجار الأزمات. وتراهن إيران على استثمار الظروف الحالية والمفاوضات مع واشنطن لتعزيز تعاون اقتصادي مع دول المنطقة وخارجها.

ثالثاً: تجاوز المنطقة لمرحلة الأزمات

ستكون دول الخليج، التي تستضيف قواعد أمريكية وقوات بشرية، المتضرر الأكبر في حال اندلاع مواجهة عسكرية بين إيران والولايات المتحدة. فبينما لا تملك إيران قدرة الوصول إلى الأراضي الأمريكية على بعد أكثر من 10 آلاف كيلومتر، إلا أنها تملك قدرة تدميرية واسعة ضمن دائرة يبلغ نصف قطرها 2000 كيلومتر.

ومن ثم، فإن الدول العربية تدرك أن مصلحتها الكبرى تكمن في منع حدوث أي أزمة في منطقة الخليج، التي يمثل انفجارها تهديداً أمنياً مباشراً لها، ويؤثر على استقرار أسواق الطاقة عالمياً. فاندلاع حرب في الخليج سيكون بمثابة “فتح صندوق باندورا”، وهو سيناريو تسعى دول الخليج جاهدة لتفاديه وإبقائه مغلقاً.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى