إعادة هيكلة المصارف الحكومية في العراق لتعزيز الاستقرار المالي

أكدت وزيرة المالية في العراق طيف سامي، أهمية مشروع إعادة هيكلة المصارف الحكومية بوصفها رافداً أساسياً لرفع كفاءة الأداء وتحسين مستوى الخدمات المصرفية المقدمة للمواطنين.

ميدل ايست نيوز: أكدت وزيرة المالية في العراق طيف سامي، أهمية مشروع إعادة هيكلة المصارف الحكومية بوصفها رافداً أساسياً لرفع كفاءة الأداء وتحسين مستوى الخدمات المصرفية المقدمة للمواطنين، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي وتطوير القطاع المصرفي الحكومي.

جاء ذلك خلال اجتماعها مع إدارات مصرفي الرافدين والرشيد وممثلي شركة “أرنست ويونغ” الاستشارية، حيث تم استعراض مراحل تنفيذ خطة الهيكلة، التي تتضمن تحديث الأنظمة الداخلية، وتعزيز الحوكمة، وتطوير البنية التحتية الإدارية والمالية لهذه المؤسسات الحيوية.

ويأتي هذا المشروع في ظل تحديات مالية واقتصادية تواجه القطاع المصرفي العراقي، ويُنظر إليه بوصفه خطوة محورية نحو تحقيق تحول مؤسسي وإداري يعزز الثقة في البنوك الحكومية، ويسهم في دعم النمو الاقتصادي المستدام. ويتكوّن القطاع المصرفي العراقي من سبعة مصارف حكومية أساسية تُدير معظم العمليات التمويلية، إلى جانب 72 مصرفًا خاصًّا تتنوع بين الإسلامية والتجارية، إلا أنها تواجه تحديات في التوسع والارتباط الدولي.

وفي مطلع العام الجاري، أعلنت الحكومة العراقية خططًا لإعادة هيكلة المصارف الحكومية، وعلى رأسها مصرفا الرافدين والرشيد، بهدف تحويلها إلى مؤسسات مالية أكثر حداثة وكفاءة، قادرة على تلبية احتياجات الاقتصاد العراقي المتنامي. كما قررت في جلستها المنعقدة بتاريخ 13 يناير/كانون الثاني 2025، تأسيس مصرف جديد بالكامل يعتمد على أحدث التقنيات المصرفية الرقمية، ويهدف إلى تقديم خدمات مصرفية متكاملة للأفراد والشركات، سواء داخل العراق أو خارجه.

وقد سُمّي هذا المصرف الجديد بـ”مصرف الرافدين الأول”، وسيبدأ برأسمال أولي قدره 500 مليار دينار عراقي (نحو 381.8 مليون دولار)، مع هدف الوصول إلى تريليون دينار عراقي (نحو 763.7 مليون دولار) على أنه رأسمال نهائي. وستكون مساهمة الدولة في هذا الرأسمال بنسبة 28%.

في هذا السياق، أكد المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح أن إعادة هيكلة القطاع المصرفي تُعد خطوة جوهرية ومهمة لتعزيز استقرار النظام المالي ودعم التنمية الاقتصادية في العراق. وأوضح أن هذه الهيكلة تهدف إلى تنظيم أفضل لإدارة التدفقات النقدية وتحسين كفاءة السيولة المالية للدولة، ما يسهم في تخفيف الضغوط المالية على الخزينة العامة. مشيراً إلى وجود انقسام واضح في السوق المصرفية، حيث تمتلك المصارف الأهلية أكثر من 78% من رؤوس الأموال، لكنها تسهم بنسبة محدودة لا تتجاوز 20% في عمليات التمويل والإيداع.

في المقابل، يهيمن مصرفا الرافدين والرشيد الحكوميان على نحو 80% من هذه العمليات، رغم محدودية رأسمالهما، وهو ما يعكس خللًا هيكليًّا يتطلب إصلاحات عاجلة لإعادة التوازن للنظام المصرفي وتوسيع دوره في دعم الاقتصاد الوطني. وشدد صالح على أن الهيكلة المصرفية عملية شاملة تشمل تحديث البنية التحتية للمصارف الحكومية، ورفع كفاءة إدارة الأصول والخصوم، وتطوير أنظمة الحوكمة بما يتماشى مع المعايير الدولية. وأضاف أن هذه الإجراءات من شأنها زيادة قدرة القطاع المصرفي على المساهمة بشكل فعّال في الناتج المحلي الإجمالي، وتوسيع نطاق التمويل والإقراض للمشاريع التنموية، ما يدعم النمو الاقتصادي ويقلل من الاعتماد على إيرادات النفط.

وأكد أن التحديات المالية والنقدية الراهنة، ولا سيما تقلبات أسعار النفط وضغوط السيولة، تستدعي الإسراع في تنفيذ الإصلاحات، بما في ذلك زيادة رأس المال المصرفي وتحديث آليات العمل، لتعزيز استقرار القطاع المصرفي وتحسين إدارة الموارد المالية العامة.

خطوة نحو نظام مصرفي متكامل

من جانبه، قال مستشار رابطة المصارف العراقية الخاصة عبد الرحمن الشيخلي، إن مجلس الوزراء شرع في خطوات عملية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي الحكومي، الذي لا يزال يواجه تباطؤًا في مواكبة التطورات المرتبطة بالثورة الرقمية الرابعة، رغم أن عدد المصارف الحكومية العاملة حاليًّا يبلغ سبعة فقط.

وأوضح أن لجانًا فنية تم تشكيلها بالتعاون مع عدد من كبريات الشركات العالمية لتقييم أداء هذه المصارف ومراقبتها، وقد خلصت إلى ضرورة البدء بهيكلة مصرف الرافدين تدريجيًّا، من خلال تقسيمه إلى مصرفين، الأول سيكون مخصصًا للتعاملات الحكومية، مع فتح باب المساهمة فيه أمام المستثمرين من الأفراد والمؤسسات عبر عرض أسهمه، أما الثاني فسيُدمج مع مصرف الرشيد، مع فتح المجال أيضًا لمساهمة رأس المال الخاص.

وتوقع الشيخلي دمج المصرف الجديد مع كل من المصرفين الصناعي والزراعي، لتشكيل كيان مصرفي موحد يقدم جميع الخدمات المصرفية من دون تخصص قطاعي، على غرار النماذج العالمية التي تعتمد تقديم منتجات مصرفية شاملة. وأكد أن المصارف الخاصة تواجه اليوم خيارين، إما زيادة رؤوس أموالها إلى مستويات تؤهلها إلى الدخول في شراكات مع مصارف دولية وفتح حسابات مراسلة، وإما الاندماج فيما بينها لتحقيق الهدف ذاته من خلال تعزيز ملاءتها المالية. مشدداً على أن أهمية هذه المبادرة تكمن في بناء نظام مصرفي عراقي حديث يتماشى مع المعايير المصرفية الدولية، ويسهم في تحسين كفاءة القطاع المالي بما ينعكس إيجابًا على كل الاقتصاد الوطني.

تحديات معقدة تواجه المصارف

من جانب ثانٍ، أكد الباحث الاقتصادي أحمد صباح، أن عملية دمج المصارف الحكومية في العراق تواجه تحديات معقدة لا تقتصر على الجانب الفني أو الإداري فحسب، بل تمتد إلى البعد السياسي والاقتصادي العميق. وأوضح أن ضعف البنية التكنولوجية، وتداخل الصلاحيات، والقصور في الحوكمة، تعيق التقدم نحو دمج فعّال، لكن التحدي الأكبر يكمن في النفوذ السياسي المسيطر على البيئة المصرفية، ولا سيما في ظل امتلاك عدد كبير من المصارف الخاصة من قبل تيارات سياسية وفصائل مسلحة، ما يجعل من أي إصلاح حقيقي تهديدًا لمصالح تلك الأطراف.

وأضاف أن دمج المصارف الحكومية يتطلب إرادة سياسية مستقلة، وإصلاحًا تشريعيًّا وماليًّا متكاملًا، إلى جانب ضمان استقلالية القرار المصرفي عن النفوذ الحزبي والمسلح، وهو ما يشكّل العقبة الأشد صعوبة في طريق أي عملية هيكلة حقيقية. وشدّد على أن استمرار هذه الهيمنة على القطاع المصرفي، سواء من خلال المصارف الأهلية أو بعض الإدارات الحكومية، يُفرغ أي مشروع إصلاحي من مضمونه، ويجعل دمج المصارف مجرد خطوة شكلية لا تحقق الأثر الاقتصادي المنشود.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 + 14 =

زر الذهاب إلى الأعلى