حذف الأصفار من الريال الإيراني: بين الطموح الاقتصادي والواقع السياسي

يعد حذف الأصفار من الريال خطوة فنية مكلفة، لا يمكن أن تحقق نتائج إيجابية إلا إذا ترافقت مع إصلاحات هيكلية وسياسات اقتصادية داعمة.

ميدل ايست نيوز: أدى تضخم الأرقام غير المسبوق في التقارير الرسمية للحكومة الإيرانية والبنك المركزي والشركات الكبرى، إلى صعوبة عملية استخدام وحدة الريال في السنوات الأخيرة. ليعود ملف حذف الأصفار من الريال إلى صدارة النقاشات الاقتصادية في البلاد.

وتم طرح فكرة حذف الأصفار لأول مرة من قبل البنك المركزي الإيراني في عام 1993، ومنذ ذلك الحين طُرحت هذه المقترحات عدة مرات خلال العقود الثلاثة الماضية، حتى إن طباعة شيكات نقدية بقيمة “50 تومان” بدلًا من “50 ألف تومان” تم تطبيقها لفترة وجيزة. وفي عام 2018، ساهم إصدار أوراق نقدية جديدة (إيران‌ شيك) بأصفار باهتة اللون في إثارة الشائعات حول قرب تنفيذ الخطة، غير أن الخلافات بين الحكومة والبرلمان حالت دون المضي قدمًا فيها.

وفي 4 أغسطس 2019، صادقت حكومة حسن روحاني على مشروع قانون حذف الأصفار وأحالته إلى البرلمان. ورغم الموافقة الأولية عليه، إلا أن مجلس صيانة الدستور رفضه بسبب بعض الغموض، فظل مجمدًا. ومع تولي الحكومة الرابعة عشرة برئاسة مسعود بزشكيان، أُعيد تقديم المشروع نفسه إلى البرلمان من جديد.

وبحسب مشروع القانون الجديد، سيتم تغيير الوحدة النقدية من الريال إلى التومان، بحيث يعادل كل تومان 10,000 ريال حالي، ويقسم التومان إلى 100 وحدة فرعية تُسمى “بارسه”. وخُطط أن تمتد فترة الانتقال لعامين، يجري خلالها تداول التومان والريال بشكل متزامن.

لماذا تسعى إيران لحذف الأصفار؟

أعلن البنك المركزي الإيراني أن الأهداف الرئيسية لحذف الأصفار هي:

  • تبسيط المعاملات اليومية وتقليل أخطاء المحاسبة
  • خفض تكاليف المعاملات وتحسين الكفاءة الاقتصادية
  • زيادة الأمان وتقليل الحاجة إلى حمل كميات ضخمة من الأوراق النقدية
  • تعزيز الثقة العامة بالعملة الوطنية

كما أُشير إلى أن حذف الأصفار سيزيد من قدرة الريال التنافسية في الأسواق الدولية.

ما تكلفة حذف الأصفار؟

وفقًا لتقرير البنك المركزي الإيراني الصادر في فبراير 2025، قُدّرت قيمة النقد المتداول من أوراق نقدية وعملات معدنية لدى المواطنين بحوالي 145 تريليون تومان، مقارنة بـ 88 تريليون تومان في عام 2019. ورغم عدم تحديث الإحصاءات الرسمية حول عدد الأوراق النقدية المتداولة، فقد بلغت نحو 9 مليارات ورقة نقدية في نفس العام.

وسبق أن أعلن عبد الناصر همتي، محافظ البنك المركزي آنذاك، في عام 2019 أن تكلفة سك عملة معدنية من فئة 500 تومان تبلغ حوالي 820 تومان، في حين أن إتلاف كل ورقة نقدية قديمة يكلف نحو 350 تومان. ووفقًا لتقديرات حسن خوشبور، نائب رئيس منظمة التخطيط والموازنة سابقًا، فإن التكلفة الإجمالية المباشرة وغير المباشرة لتنفيذ المشروع، بما يشمل جمع الأوراق القديمة وطباعة العملة الجديدة وتحديث الأنظمة البنكية والتوعية العامة، ستتراوح بين 3 إلى 5 تريليون تومان.

وقال خوشبور: “مع تنفيذ خطة حذف الأصفار، ستفقد جميع الأوراق النقدية والعملات المعدنية الحالية قيمتها القانونية، ويجب جمعها وإتلافها، وهو ما يتطلب موارد مالية كبيرة”.

تجارب دول أخرى

بين عامي 1923 و2009، نفذت نحو 50 دولة عمليات حذف أصفار، بلغ مجموعها 272 صفرًا من عملاتها الوطنية. ففي تركيا، أدى حذف 6 أصفار من الليرة عام 2005، بالتزامن مع برنامج لمكافحة التضخم، إلى تحقيق استقرار نسبي في الاقتصاد. كما قامت بولندا عام 1995 بحذف 4 أصفار، مما ساعد على تحسين الوضع الاقتصادي.

في المقابل، فشلت تجارب مثل الأرجنتين وزيمبابوي وفنزويلا في تحقيق نتائج إيجابية رغم حذفها أعدادًا كبيرة من الأصفار، بسبب غياب الاستقرار الاقتصادي والإصلاحات الجذرية. فعلى سبيل المثال، اضطرت زيمبابوي بعد حذف 25 صفرًا إلى التخلي عن عملتها الوطنية لصالح الدولار الأمريكي واليورو. كما عانت الأرجنتين من أزمة اقتصادية جديدة عام 1996 بعد أن حذفت 11 صفرًا.

آراء المؤيدين والمعارضين

يرى غالبية الاقتصاديين أن حذف الأصفار لا يؤدي بحد ذاته إلى التضخم، لكنه في ظل غياب البنية التحتية الملائمة، قد يؤدي إلى تقريب الأسعار نحو الأعلى ورفع تكلفة بعض السلع الرخيصة، خاصة في حال نقص العملة المعدنية.

يقول مهدي قدسي، وهو خبير في الشؤون الاقتصادية: “حذف أربعة أصفار ليس فكرة سيئة من حيث المبدأ، وقد يخفف الضغط النفسي الناتج عن التعامل بأرقام ضخمة، لكن الشرط الأساسي لتنفيذ مثل هذا الإجراء هو وجود اقتصاد مستقر وخالٍ من العقوبات. ربما يكون من الأفضل حسم مصير المفاوضات وملف العقوبات أولًا، ثم الإقدام على هذه الخطوة كي لا تضطر الدولة لاحقًا إلى حذف الأصفار من الريال مرة أخرى”.

ويعد حذف الأصفار من الريال خطوة فنية مكلفة، لا يمكن أن تحقق نتائج إيجابية إلا إذا ترافقت مع إصلاحات هيكلية وسياسات اقتصادية داعمة. كما تؤكد التجارب العالمية أن حذف الأصفار دون استقرار سياسي واقتصادي لا يؤدي إلا إلى إهدار الموارد.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية + 7 =

زر الذهاب إلى الأعلى