من الصحافة الإيرانية: لماذا تتمسك واشنطن بقرار حظر تخصيب اليورانيوم في إيران؟

مسألة تخصير اليورانيوم بالنسبة لإيران لا تقتصر على الجوانب التقنية فحسب، بل تمثل رمزاً لفجوة استراتيجية واسعة تفصل بين طرفي المعادلة النووية.

ميدل ايست نيوز: في قلب الأزمة الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة، لا يزال أحد أقدم العقد وأشدّها استعصاءً قائماً: الخلاف العميق بشأن تخصيب الوقود النووي “اليورانيوم”. فالمسألة لا تقتصر على الجوانب التقنية فحسب، بل تمثل رمزاً لفجوة استراتيجية واسعة تفصل بين طرفي المعادلة النووية.

وقال موقع فرارو في تقرير له، إن إيران ترى في تخصيب اليورانيوم أكثر من مجرد تقنية نووية، إذ تعتبره دليلاً على السيادة الوطنية والاستقلال. وتستند طهران في هذا الموقف إلى معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) التي تعترف بحق الدول في امتلاك دورة وقود نووي كاملة. لكن في المقابل، تنظر واشنطن بعين الشك إلى هذه المسألة، إذ ترى أن حتى التخصيب منخفض المستوى يمكن أن يكون مدخلاً محتملاً نحو تطوير سلاح نووي، لذلك أصبح مطلب وقف التخصيب الكامل داخل إيران أحد الخطوط الحمراء في السياسة الأمريكية.

ورغم حالة انعدام الثقة العميقة وتعطّل المفاوضات بسبب تشبّث كل طرف بموقفه، تلوح في الأفق بوادر حذرة لانفتاح محتمل. فقد نقلت صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية عن مصدر دبلوماسي مطلع أن من بين الخيارات المطروحة، مقترحاً لتجميد كامل لبرنامج التخصيب الإيراني لمدة ثلاث سنوات. وفي هذا السيناريو، ستقوم إيران بتعليق التخصيب مؤقتاً، مقابل رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية الأمريكية.

وبموجب هذا المقترح، ستُمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق الإشراف الكامل والدائم وغير المقيّد على جميع المنشآت النووية الإيرانية. ومن وجهة نظر واشنطن، فإن هذه المهلة ستشكل اختباراً فعلياً لقياس مدى التزام إيران بتعهداتها وتقييم نواياها الحقيقية في المسار الدبلوماسي.

هل تعود تجربة اتفاق 2013 المؤقت؟

وفي تطور ذي دلالة، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن استمرار محادثات سرية بين طهران وواشنطن تهدف إلى بلورة إطار سياسي يُمهّد لاستئناف المفاوضات، ووضع خريطة طريق أولية نحو اتفاق جديد. ورغم أن هذا الإطار لا يزال يفتقر إلى الكثير من التفاصيل الفنية والعناصر الأساسية، إلا أنه يشبه إلى حد كبير اتفاق عام 2013 المؤقت بين إيران ومجموعة 5+1، والذي مهّد الطريق لاحقاً إلى إبرام الاتفاق النووي الشامل في 2015.

في تجربة 2013، وافقت إيران على تعليق بعض الأنشطة النووية الحساسة بشكل محدود، مقابل تخفيف مؤقت لبعض العقوبات الغربية. وقد شكّل هذا النموذج التدريجي، القائم على بناء الثقة، نقطة انطلاق محورية نحو الاتفاق الشامل المعروف بـ”خطة العمل المشتركة الشاملة” (JCPOA). لكن السياق اليوم قد تغير جذرياً. فبحسب تصريح لمسؤول أمريكي رفيع، لا يبدو أن هناك إرادة سياسية حقيقية في طهران أو واشنطن للعودة إلى نهج الخطوات المتبادلة. وبدلاً من ذلك، يسعى الطرفان حالياً إلى صياغة إطار مبدئي لاتفاق نهائي وشامل.

تخصيب اليورانيوم: خط أحمر إيراني وشكوك أمريكية

قدم بن رودز، نائب مستشار الأمن القومي السابق في إدارة أوباما، تقييماً تحذيرياً لمسار المفاوضات الحالية، واصفاً الأجواء بأنها “متوترة وغامضة وخالية من أفق واضح”. وقال إن المسار الحالي أقرب إلى نهاية مبكرة منه إلى حل فعلي للأزمة، سواء عبر اتفاق مؤقت وغير مستقر، أو في أسوأ الأحوال، انهيار كامل للعملية الدبلوماسية والعودة إلى المواجهة المفتوحة.

وتطرّق رودز أيضاً إلى الدور الإسرائيلي، معتبراً إياه “حاسماً ومؤثراً”، مشيراً إلى أن تل أبيب تواصل الضغط من خلال تهديدات عسكرية مكررة ومحاولة التأثير على الحسابات الأمنية في واشنطن، كما تحاول ممارسة ضغوط نفسية على طهران لدفعها إلى تقديم تنازلات خارج إطار المفاوضات الرسمية.

وفي خلاصة تصريحاته، أشار رودز إلى جوهر الخلاف بين طهران وواشنطن، مؤكداً أن “السؤال الرئيسي” في هذه المفاوضات لا يكمن في التفاصيل الفنية، بل في خيار استراتيجي أعمق: هل تقبل الولايات المتحدة ببقاء قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم ضمن حدود معينة؟ فإن قبلت بذلك، يمكن حينها التفكير في إحياء اتفاق يشبه الاتفاق النووي لعام 2015. أما إذا أصرت على تفكيك كامل لبرنامج التخصيب، فإن آفاق الدبلوماسية ستدخل في نفق مظلم، لأن البرنامج النووي الإيراني، من وجهة نظر طهران، لا يمثل قضية تقنية فقط، بل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسيادة الوطنية والكرامة والاستقلال الاستراتيجي.

إن إصرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على سياسة “التخصيب الصفري”، لا يضعف فقط احتمالات التوصل إلى اتفاق مستقر، بل يوجّه مسار المفاوضات نحو طريق مسدود ومواجهة محتملة. فمنذ عام 2006، نجحت إيران، رغم العقوبات المشددة والعزلة الدبلوماسية، في بناء منظومة معقدة ومحلية لتخصيب اليورانيوم. وبالتالي، فإن أي محاولة لتفكيك هذا البرنامج تُعدّ، ليس فقط غير واقعية من الناحية التقنية، بل تشكل تهديداً وجودياً لما تعتبره طهران جزءاً من هويتها الوطنية النووية، التي تحوّلت إلى ركيزة أساسية في استراتيجية الردع الإيرانية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى