زيارة بزشكيان لمسقط: نحو شراكة أعمق مع “الجار المحترم” و”الوسيط الموثوق”
مع اندلاع الحرب الإيرانية – العراقية، كانت عُمان أول دولة عربية تفصل موقفها عن باقي الدول العربية، وخصوصًا بعد تحرير خرمشهر، حيث امتنعت عن تقديم أي دعم للعراق.

ميدل ايست نيوز: يتوجه اليوم الثلاثاء رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تلبيةً لدعوة رسمية من سلطان عُمان، وفي إطار تعزيز العلاقات مع هذا الوسيط الذي كان دائمًا محلّ ثقة، إلى عُمان، في زيارة يُرتقب أن تشكّل نقطة تحوّل في تعميق العلاقات الشاملة بين البلدين.
وقالت وکالة إرنا الحكومية، إن “عُمان” و”مسقط” لم تعودا محور اهتمام الدبلوماسيين والمتخصصين في السياسة الخارجية فقط، بل أصبحتا محطّ أنظار عامة الشعب الإيراني. ويعود ذلك إلى الدور الذي تلعبه السلطنة كوسيط في المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، والتي يأمل الناس أن تُفضي إلى رفع العقوبات وتحسين ملحوظ في أوضاعهم المعيشية اليومية.
وعلى خلاف العديد من جيرانها الذين شهدت علاقاتهم مع إيران توتّرات، كانت عُمان دائمًا جارًا هادئًا وخاليًا من المشكلات. وعلى الرغم من أن علاقات حسن الجوار بين البلدين تعود إلى ما قبل الثورة، فإنها شهدت بعد الثورة الإسلامية تطورًا ملحوظًا من حيث العمق والاتساع، إلى أن أصبحت السلطنة اليوم تُعدّ صديقًا وشريكًا استراتيجيًا موثوقًا للجمهورية الإسلامية.
بعد الثورة الإيرانية عام 1979، وفي وقت كانت فيه العديد من الدول المجاورة، ولا سيما العربية منها، لا تزال تعيد ترتيب علاقاتها مع النظام الجديد في إيران، كان “يوسف بن علوي”، وزير خارجية عُمان آنذاك، من أوائل المسؤولين العرب الذين زاروا إيران والتقوا الإمام الخميني. وفي الوقت الذي قطعت فيه عدة دول غربية علاقاتها مع إيران، قبلت عُمان بلعب دور حافظ المصالح الإيرانية في دول مثل بريطانيا وكندا.
مع اندلاع الحرب الإيرانية – العراقية، كانت عُمان أول دولة عربية تفصل موقفها عن باقي الدول العربية، وخصوصًا بعد تحرير خرمشهر، حيث امتنعت عن تقديم أي دعم للعراق، ولم تستجب لدعوات بعض الدول العربية لفرض حصار دبلوماسي واقتصادي على إيران.
وفي خطوة أبعد من ذلك، أدّت عُمان دور الوسيط في وقف الحرب التي استمرت 8 سنوات بين إيران والعراق، حيث استضاف السلطان قابوس محادثات سرية بين الوفدين الإيراني والعراقي في مسقط.
إلى جانب دعمها لمصالح إيران في النزاعات الثنائية، وحماية حقوقها في المحافل الدولية والإقليمية، وقفت عُمان أيضًا إلى جانب حلفاء إيران الاستراتيجيين. ويتجلى ذلك في عدم مشاركتها في تحالف تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن، في ما عُرف بعملية “عاصفة الحزم” عام 2015.
هذه المواقف جعلت من سلطنة عُمان أكثر من مجرّد جار عادي، لترتقي إلى مرتبة صديق موثوق وحليف استراتيجي. ولهذا السبب، لطالما اختارت إيران عُمان كوسيطها المفضّل في القضايا الدولية المعقدة، بما في ذلك الدور الذي تلعبه الآن في الوساطة بين إيران والولايات المتحدة بشأن الملف النووي.
ومع أن الإمارات كانت هي من نقلت، في مارس الماضي، رسالة من الرئيس الأمريكي تعبّر عن رغبته في التفاوض، فإن إيران اختارت ألّا ترد عبر نفس القناة، وفضّلت العودة إلى وسيطها الموثوق، سلطنة عُمان، لترسيخ دورها كوسيط رئيسي بين إيران والولايات المتحدة.
وبالفعل، انطلقت المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بوساطة واستضافة عمانية في مسقط وروما، حيث عُقدت خمس جولات من الحوار حتى الآن.
وتأتي زيارة رئيس الحكومة الإيرانية إلى عُمان، بعيدًا عن موضوع التفاوض، في إطار حرص الحكومة الرابعة عشرة على تعزيز علاقاتها مع دول الجوار وتقوية دبلوماسيتها الإقليمية والاستفادة من قدرات هذا البلد الجار في دعم سياسة السلم.
يذهب الدكتور مسعود بزشکیان إلى عُمان حاملاً رسالة تقدير من الشعب الإيراني للدور البنّاء والمسؤول الذي تلعبه السلطنة في استضافة المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة. وقد أشار في لقائه السابق مع وزير الخارجية العماني إلى أهمية هذه الزيارة كعلامة فارقة في تعميق العلاقات الشاملة بين البلدين، آملاً أن تؤتي ثمارًا ملموسة للشعبين.
وبحسب السفير الإيراني في عُمان، سيُوقّع خلال الزيارة ما لا يقل عن 14 وثيقة تعاون في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، أبرزها وثيقة “الإطار العام للتعاون السياسي طويل الأمد” بين إيران وعُمان، والتي تُحدّد آفاق التعاون بين البلدين في السنوات القادمة.